إنها مصر

الجيوش الوطنية صمام أمان

كرم جـبر
كرم جـبر

السبب الأساسى لتفتيت الدول هو ضرب جيوشها الوطنية وتحويلها إلى ميليشيات مسلحة ومتصارعة على السلطة، فيصبح الخطر ليس فى العدو الخارجى بل فى الانقسام الداخلى.

وكانت فتنة الربيع العربى بفعل فاعل لإعادة إضعاف دول المنطقة وتقسيمها، وتحويل الكتلة المتماسكة من شعوبها الى شظايا تصيب بعضها البعض، ويصعب لحمتها من جديد.

وكانت الحجة المزيفة لتمرير ما سُمى الربيع "الجحيم" هى إحلال الديمقراطية والقضاء على ما سُمى الأنظمة الديكتاتورية، فثارت الشعوب ضد حكامها، بحثا عن الخبز والحرية، فلم تنل هذا أو ذاك.

ورغم أن مصر كانت فى صدارة "الدول المطلوبة" فقد كتب الله لها النجاة بسبب قوة جيشها وتماسك شعبها وعزيمة قائدها، فحافظ على وحدتها وتماسكها وقدرتها على الصمود والتصدى، ولو نظرنا فى الدول التى اشتعلت فيها النيران فى المنطقة، فقد انهارت يوم انهارت جيوشها.

الديمقراطية عند الشعوب هى الحلم والامل، وعند الميليشيات المسلحة هى عربة الشيطان، يركبونها للوصول إلى الحكم، ثم يقفزون منها ويحرقونها بمن فيها، والأحزاب هى الإسلامية، وغيرها هى الشيطانية.

سنوات صعبة ودروس مستفادة، ولم يكن أشد المتفائلين يحلم بأن تعبر مصر من الفوضى إلى الاستقرار قبل ثلاثين عاماً، وقالت الجماعة الإرهابية إنها ستحكم لمدة نصف قرن على غرار الاستعمار العثمانى.

و"لو" استمروا فى الحكم، ما كنا نجد مصر التى نعرفها ونعيش فيها، وانما بلد غريب وغير مألوف، فى ظل أكاذيب حاولت اختزال شرعية الوطن فى شرعية الجماعة، وصراع غير متكافئ بين أحزاب دينية مسلحة وجماعات سياسية متصارعة.

فرح بعض الناس فى البداية بالمظاهرات والمليونيات و"الشعب يريد" والشعارات المستوردة من الثورات البرتقالية والاعتصامات والإضرابات، ولكن

المصريين جميعا افاقوا بسرعة على أكاذيب الجماعة الإرهابية التى قامت بالسطو على احلامهم المشروعة، على أصوات الرصاص والقنابل والمتفجرات التى تقتل وتروّع، وأدرك الجميع أن "مصر تصعد بسرعة إلى الهاوية".

ووصلت فاتورة الخسائر إلى مئات المليارات من الدولارات، كان يمكن أن تنعش اقتصاد الدولة، وتنقله إلى حالة التعافى الكامل، ولكن قدر الله وما شاء فعل، فلا يمكن البكاء على اللبن المسكوب.

لم تكن الجيوش الوطنية فى الدول المشتعلة حولنا هى "صمام الأمان"، وكانت سببا فى شقاء شعوبها، وكان انهيارها استكمالا للمشهد المأساوى.
وفى التفسير.. لا يمكن أن نستبعد نظرية المؤامرة، وكأن هناك شيطانا شريرا يدق طبول الحروب الأهلية فى توقيت متزامن، يشمل ست دول عربية على الأقل.