مصطفى عبده يكتب: ثروة مصر الرقمية

الكاتب الصحفي مصطفى عبده
الكاتب الصحفي مصطفى عبده

"الثورة الصناعية الرابعة، وتأثيرات التكنولوجيا البازغة قد تسحق الأجيال القادمة"، هذه المقولة توقف عندها الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ أكثر من 5 أعوام فى النسخة الأولى للمنتدى العالمى للتعليم العالى، وطالب الرئيس وقتها مؤسسات الدولة  بالعمل، واستنهاض همم المصريين للتعامل مع هذا التطور الهائل والسريع فى التكنولوجيا، قائلًا: "إننا لم نشارك فى الثورة الصناعية الأولى، أو الثانية، أو الثالثة، فيجب ألا تفوتنا الثورة الصناعية الرابعة".

بتوجيهات ورؤية الرئيس السيسى، لم تقف الدولة المصرية مكتوفة الأيدى طوال هذه السنوات فى ملف التحول الرقمى، واستطاعت توجيه البوصلة للوصول إلى "مصر الرقمية"، وتخطت فى طريقها لتحقيق ذلك تحديات جسام، وتغلبت على ظروف اقتصادية صعبة لم تستطع دول مجابهتها.

دلالات مهمة عكستها الأرقام، التى ذكرها د. عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية، الذى يعد خطوة جبارة نحو مستقبل جديد للاقتصاد المصرى، وللتنمية بشكل عام.

الأرقام تكشف حجم الإنجازات، التى تتحقق بدءًا من بناء قواعد البنية التحتية الرقمية، وتحفيز الابتكار، وتسهيل الحصول على الخدمات الحكومية المميكنة، وبناء قدرات الشباب الرقمية للحصول على الوظائف، وصولًا إلى الإنجاز الأكبر وهو إنشاء مركز البيانات والحوسبة السياسية، عقل الحكومة المصرية وذاكرتها الأساسية، وأداة ربط جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية.

نجحت الدولة ممثلة فى وزارة الاتصالات فى رفع كفاءة الإنترنت الثابت، والتوسع فى إنشاء مدارس التكنولوجيا التطبيقية، وكذلك التوسع فى إنشاء مراكز التدريب، تبعه مضاعفة أعداد المتدربين مائة مرة، ووصل إلى 400 ألف متدرب فى 2024م مقابل 4 آلاف متدرب فى 2018م، وهو ما استلزم مضاعفة موازنة التدريب 34 مرة من 50 مليون جنيه إلى مليار وسبعمائة مليون جنيه.

كما كشفت الأرقام، التى استعرضها اللواء أركان حرب هانى منصور  مدير الإشارة، وقال خلالها إن الرئيس السيسى وجه بإنشاء مركز البيانات والحوسبة السحابية لتدعيم مركز مصر كممر رئيسى لنقل البيانات فى العالم، والاستفادة من موقعها الفريد، ومرور أكثر من 90% من حركة تداول البيانات العالمية شرقًا وغربًا مرورًا بالبحرين الأحمر والمتوسط.

وأكد المهندس محمد جمال النعيرى، مدير مركز التحكم والسيطرة والدعم الفنى فى الحى الحكومى بالعاصمة الإدارية الجديدة، أنَّ البنية التحتية والتجهيزات التكنولوجية، التى نُفذت فى جميع المبانى بالحى الحكومى، وفق أعلى المعايير القياسية العالمية، ووصفها بأنها تعتبر الأكبر حجمًا، والأعلى تكنولوجيًا فى الشرق الأوسط والمنطقة.

بالوصول إلى معدلات نمو صادرات مصر الرقمية إلى 26% العام الماضى، ونمو صادرات خدمات التعهيد بمعدل 54% فى عام واحد، واستهداف تحقيق 9 مليارات دولار فى 2026م، كانت نقطة التحول.

هنا توقف الرئيس السيسى، وكما توقف محذرًا فى 2019م بسرعة التحرك حتى لا تفوتنا الثورة الصناعية الرابعة، وضع الرئيس يده على ثروة مصر الرقمية الحقيقية، وهى كوادرها البشرية، وكان تحليل الأرقام له دلالات كاشفة، تدعو إلى المراجعة.

فخدمات التعهيد تنقسم إلى ثلاثة مستويات من حيث تحقيق الدخل:

المستوى الأول يمكن للشاب من خلاله تحقيق دخل سنوى يتراوح بين 25 ألفًا إلى 30 ألف دولار، والمستوى الثانى الخاص بالبرمجة يدر دخلًا سنويًا للشاب الواحد من 50 إلى 60 ألف دولار، والمستوى الثالث الخاص بالبرامج المدمجة يتخطى 100 ألف دولار سنويًا، وقد يصل إلى 300 ألف دولار.

والواقع الحالى يقول إن كوادر مصر الشبابية فى خدمات التعهيد تتراوح بين 150 ألفًا إلى 180 ألف شاب، يقع 60% منهم فى المستوى الأول، وحدّه الأقصى 330 ألف دولار سنويًا للشاب الواحد، ويقع 25% فى المستوى الثانى، و15% فى المستوى الثالث.

الرئيس السيسى وجه تساؤلاته للمجتمع المصرى، وإجاباتها تعنى تغيير النهج، الذى تتبعه غالبية الأسر المصرية فى تعليم أولادها، وهذا التحول فى طريقة تفكيرنا، مؤكدًا أنه سينقلنا إلى واقع اقتصادى متميز.

الرئيس السيسى أكد أن كُلفة ما تحقق نحو مصر الرقمية ضخم بكل المقاييس ومقارنة بالإمكانات، لكن السؤال الصحيح، كم ستكون الكُلفة لو أن الدولة المصرية لم تتحرك وتحقق هذا الإنجاز، ولخصها الرئيس قائلًا: "إما نكون زى مخاليق ربنا يا إما نكون متخلفين".

وتطرق الرئيس إلى العنصر الأهم، والثروة الحقيقية لهذا القطاع، وهى الكوادر البشرية، وتساءل: دولة بحجم مصر عدد سكانها يتخطى 106 ملايين نسمة، وإجمالى كوادرها فى خدمات التعهيد، لا يتخطى 180 ألفًا، مقارنة بدول عدد سكانها لا يتخطى أصابع اليد، وكوادرها تتخطى 700 ألف شاب، وتحقق 70 مليار دولار سنويًا من وراء ذلك، وهو ما يعنى احتياجنا إلى مليون كادر سنويًا.

وطالب الرئيس الأسر المصرية، ومؤسسات الدولة، ووزاراتها "تعليم وتعليم عالى واتصالات" باتخاذ منهج جديد لتوجيه أبنائنا إلى هذا العالم، الذى يمكن أن يحقق عائدات 20 و30 مليار دولار فى 2026م، وليس 9 مليارات فقط، بل يصل إلى 100 مليار دولار، قائلًا: "بتقفوا أمام مراكز الدروس بالساعات.. لو موقفتوش مع ولادكم ابتدائى وإعدادى وثانوى علشان تعلموهم الكلام ده فرص اننا نكون أغنياء هتقل.. لما تدخلوا ولادكم حقوق وتجارة وآداب هيطلعوا يشتغلوا إيه؟".

بالفعل، الوقت لم يعد رفاهية، والمسئولية متعددة الأطراف، وعلى الجميع استنهاض الهمم، حكومة تضع سياسات، وزارات تصنع مبادرات وبرامج تدريب تحويلية لخريجى الجامعات، وسياسات تعليمية متطورة تستكشف الموهوبين بمختلف المستويات، وتتوسع فى برامج تنمية مهاراتهم، وتوسع أكبر فى البرامج البينية بالمرحلة الجامعية يضمن ربط الخريجين بوظائف المستقبل، وإعلام يصنع توعية حقيقية، معتمدًا على تطويع كل أدواته لخدمة هذا الهدف، وأسرة مصرية تغير نهجها فى رسم مستقبل أبنائها، والتحول من البحث عن الوجاهة والتعلق بمسمى كليات القمة، إلى البحث عن وضع أبنائها على طريق وظائف المستقبل، فالاختيار هنا واحد فقط.. نكون أو لا نكون.