إنها مصر

الزعيمان والإخوان!

كرم جبر
كرم جبر

كلاهما تعامل مع الإخوان فى بداية حكمه بـ» فتح صفحة جيدة».. واستعان الرئيس جمال عبدالناصر ببعض قيادات مكتب الإرشاد فى الحكم فى بداية الثورة.. وأفرج عنهم الرئيس السادات من السجون وسمح لهم بالعودة إلى العمل السياسى.. ورغم ذلك قوبلا بالغدر والتآمر.
والدرس المستفاد «لا تأمن للثعلب حتى لو ارتدى ثياب الواعظين».. وبعد 25 يناير انتشرت عبارة «دول ناس طيبين، ما نجربهم»، فجربناهم، وكادت التجربة أن تصعد بالبلاد إلى الهاوية.


لم يظلمهم أحد بل ظلموا أنفسهم، لأنهم اصطدموا بكل أنظمة الحكم قبل ثورة 23 يوليو وبعدها، ولم يضعوا أيديهم فى يد نظام إلا وانقلبوا عليه، لأنهم يريدون دائماً اختزال شرعية الوطن فى شرعية الجماعة.
ومنذ بداية عملى الصحفى، وأنا مهتم برصد فترات «الكمون» و»الاستقواء» عند الإخوان، فعندما تكون قبضة الدولة قوية ينسحبون من المسرح السياسى، وعندما تضعف ينقضون على مفاصل الدولة لتفكيكها واستبدالها، وتجربة العودة بعد ضربات عبدالناصر الموجعة خير دليل.
ففى أوائل السبعينيات بدأت سيطرة الإخوان على شباب الجامعات، تحت شعار تطهيرها من الناصريين والشيوعيين، وكانت تلك هى النشأة الأولى للجماعة الإسلامية التى لعبت دور الجناح العسكرى، وقامت بعمليات الشغب والاغتيالات.
وخطوة خطوة اتسعت دوائر السيطرة لتشمل مواجهة ما اسموه «المنكر»، باللسان والموعظة الحسنة، ثم الشوم والعصى والخناجر والجنازير.
وخرج الصدام العنيف من أسوار الجامعة إلى الشوارع، فى مظاهرات إخوانية حاشدة، تهاجم السادات الذى أخرجهم من السجون، لقبوله استضافة شاه إيران محمد رضا بهلوى، الذى تنكرت له كل دول العالم إثر اندلاع الثورة الايرانية، ورفضت نزول طائرته فى أراضيها، بعد هروبه من إيران، وتخلت عنه حليفته الكبرى أمريكا، وتركته يهيم وأسرته بطائرته فى الجو.


لم يترك الإخوان خرم إبرة فى السبعينيات إلا وحاولوا النفاذ لقلب الوطن، وقسموا أنفسهم إلى ثلاثة أجنحة رئيسية: الجناح السياسى من كوادرهم الذين خرجوا من السجون، وكانوا يتولون الدعوة والانشطة السياسية.. والجناح المالى للإنفاق على أعضاء الجماعة وأنشطتها.. والجناح العسكرى وتمثله الجماعة الإسلامية، للقيام بالمظاهرات وأعمال العنف والاغتيالات وتأديب الخصوم.
ومن هجوم الإخوان على الشاه إلى الهجوم على السادات نفسه بعد كامب ديفيد، وإشعال الفتن الطائفية وأضخمها الزاوية الحمراء واستهدافه شخصياً، وكان الفصل الأخير قبل المواجهة هو حملة اعتقالات الخامس من سبتمبر، وشملت قيادات الإخوان وشخصيات بارزة من السياسيين.
واكتشف السادات بعد فوات الأوان أنه كان «غلطان» وقال ذلك فى خطاب علنى، شن فيه هجوما غير مسبوق على الإخوان، وحملهم مسئولية كل المؤامرات التى تحاك ضد مصر.. وانتهت العلاقة بالدم والرصاص واغتيال السادات فى المنصة.