إنها مصر

المسيرات والحسابات الخاطئة!

كرم جبر
كرم جبر

لا تهدر قوة السلاح الذى فى يدك بالاستخدام الخاطئ، ولا تدخل حرباً غير مدروسة النتائج، ولا تهدد إلا إذا كنت قادراً على الفعل، ولا تجعل عدوك يستفيد من أخطائك، والقوة ليست عضلات منتفخة، ولكنها تنفيذ الإرادة بالشكل الأمثل.


والخسارة الكبرى الناجمة عن مظاهرة المسيّرات الإيرانية، هى تجميل الوجه المشوه لنتنياهو، فبعد أن كانت الاتهامات تطوله كمجرم حرب، ظهر فى صورة الكائن الوديع الذى يدافع عن دولته المسالمة فى محيط مليء بالكراهية.


واستثمرت الدعاية الصهيونية الحدث بأقصى درجة ممكنة، كما فعلت فى طوفان الأقصى، وحشدت الرأى العام الأمريكى بصفة خاصة والعالمى لإدانة إيران، واستدعاء مجلس الأمن على عجل لاتخاذ اللازم.


وانحسرت الأضواء عن جرائم إسرائيل فى غزة، وزعم بعض السياسيين فى الغرب أن نتنياهو على حق فى الدفاع الشرعى عن دولته وشعبه، لأن حماس على حد قولهم هى أحد الأجنحة المسلحة التى تهدد وجود إسرائيل، والخسائر الأخرى متعددة.
فقد انطفأ الحلم الشعبى العربى الإسلامى بعقاب إسرائيل عن طريق الحرس الثورى الإيرانى، وليس فقط الأذرع المنتشرة فى بعض الدول المحيطة بإسرائيل، وسهر الناس ليلة السبت حتى الفجر، ينتظرون اختراق المسيرات للحدود الإسرائيلية، وإلحاقها دماراً شاملاً فى المنشآت والأفراد.
ولكن الجيش الإسرائيلى هو الذى كان فى انتظارها والترحيب بها وإسقاطها، وللمرة الأولى فى تاريخ الحروب يحصل عدوك بالتفاصيل كاملة، فافتقدت المفاجأة والمباغتة، وهى العناصر الجوهرية للحروب.
وكما يقول المثل «السم الذى لا يقتلنى يزيدنى قوة»، وكانت المسيرات الإيرانية عناصر قوة جديدة، تضاف لإسرائيل وقدرة ذراعها الطويلة فى الوصول لأعدائها فى أى مكان دون ردع.
وكانت المسيرات التى انطلقت من بعض المناطق التى تسيطر عليها إيران فى الدول العربية، ذات أثر شديد السلبية، وظهر الأمر وكأن كل هؤلاء ضد إسرائيل، ويريدون القضاء عليها كما تقول الدعاية الصهيونية، وهذا يعطيها الحق فى مواجهتهم جميعاً فى عقر دارهم.
وإذا نفذت إسرائيل تهديداتها، واعتدت إسرائيل على إيران، فهل تصمد الولايات المتحدة فى وجه اللوبى الداخلى القوى الذى يطلب دخولها الحرب؟،
وفقاً لمجريات الأحداث فى ملف الصراع فى المنطقة، فلن تترك أمريكا، ولا الغرب إسرائيل وحدها فى الحرب ضد إيران، والدليل أنها لم تتحمل شيئاً فى الفاتورة الفادحة لحرب غزة، سواء بالمال أو السلاح.
وعندما تحشد مصر ورئيسها الرأى العام العالمى للهدف النبيل «عدم توسيع نطاق الحرب»، فهذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ المنطقة من الدمار الشامل الذى ينتظرها.
الأصابع التى تعبث فى الخفاء أكثر بكثير من الأيدى الظاهرة فى مسرح الأحداث، وكل دولة مسئولة عن شعبها.