أصل الحكاية| مسجد «داوود باشا».. رقي العمارة وسمو الروحانيات بالسيدة زينب

العمارة الاسلامية
العمارة الاسلامية

القاهرة التاريخية مليئة بالروايات والحكايات عن المساجد الأثرية التاريخية، وذلك لكثرة المساجد فيها، وتضم العديد منها منذ الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص.

تبرز من بينها المساجد الأثرية بمآذنها التي تشق السماء، كعلامة من أهم معالم العاصمة، لذا لم يكن غريبا أن تلقب القاهرة بـ «مدينة الألف مئذنة».

نبذه عن المنشئ مسجد "داوود باشا " :

يقع مسجد داوود باشا بشارع سويقة اللالا  المتفرع من حارة عمر شاه بالسيدة زينب بالقاهرة، وهو مسجل بوزارة الآثار برقم (472)، وقد تم إنشاؤه على يد "داود باشا" الوالي العثماني على مصر عام (955هــ/ 1584م)، ولكنه لم يكتمل في عهده؛ بل أكمله أحمد بك بن عبد الله عام (961هــ/ 1554م) ، كما أكده الباحث الآثارى الدكتور حسين دقيل المتخصص فى الآثار اليونانية والرومانية.

تاريخ "مسجد داوود باشا" :

اقرأ أيضًا|  انعقاد مقرأة كبار القراء المسجدية المجودة.. السبت القادم 

وداوود باشا؛ هو الأمير داود باشا ابن عبد الرحمن اكتمال، عُين واليا على مصر، من قبل السلطان العثماني سليمان القانوني، سنة 945 هـ 1538م؛ وظل حاكما لأكثر من 11 عاما، وهو أحد أعظم ولاة مصر العثمانيين، فقد تميز بثقافته الواسعة، وعلمه الغزير، وعرف عنه اقتناؤه للكتب العربية، وكان يحترم العلماء ويُنزلهم منازلهم، هذا فضلا عن اتصافه بالحلم وكرم الأخلاق. 

حكاية مسجد "مسجد داوود باشا " :

وأكد دقيل ، أن داود باشا اشتُهر بـ "الخصي"؛ فقد كان أحد عبيد السلطان سليمان القانوني الذين تم إخصاؤهم، وقد رفض الأزهر الشريف ولايته لهذا السبب؛ حتى إن الشيخ أحمد بن عبد الحق شيخ الأزهر تصدى له مرة وقال له: أنت لا تصلح للحكم وأنت تحت الرق وما دمت غير معتوق، فالأحكام باطلة، فهمّ الوالي بإعدام الشيخ؛ ولكن منعه الجند الذين تعصبوا للشيخ، ولما وصل الأمر لمقر الخلافة، قام السلطان العثماني بإرسال شكر لشيخ الأزهر مع ورقة تفيد بأنه قد أعتق داوود باشا.

أقام داوود باشا العديد من المنشآت المعمارية بمصر والحجاز والشام، وتوفي سنة 956هـ ، ودفن بجوار قبر الإمام الليث بن سعد بالقاهرة بناء على وصيته، ويعتبر الوالي العثماني الوحيد الذي دفن بمصر. 

الوصف المعمارى .. "مسجد داوود باشا" :

أما مسجده العتيق؛ فإنك بمجرد رؤيته تنجذب نحوه، فتشم بين جنباته عبق الزمن الراقي الذي يحمل أصالة الماضي وروحانية تكاد تكون مفقودة في غيره من الأماكن المقدسة، يقول عنه علي مبارك في خططه: "إن المسجد كان في أول أمره مدرسة أنشأها المتولي على مصر داود باشا وأنشأ سبيلا كساه بالرخام، والمحراب مجوف، كسي تجويفه وخواصره وجوانبه بالرخام الملون، ويعلو حائط القبلة 4 نوافذ مربعه صغيره، ويقع فوق المحراب مباشره نافذه مستديره، ويوجد في الضلع الشمالي من الصحن دكه تقوم على كوابيل حجريه ولها طرقة تتصل بسلم المدخل الثانوي". 

تم تخطيط المسجد حسب الطراز العثماني والمملوكي. تقع الواجهة الرئيسية منه في الجدار الشمالي الغربي منه؛ وهي تحتوى على ثلاث كتل بنائية؛ الكتلة الأولى والتي تقع في الركن الجنوبي الغربي، حيث يوجد المدخل الرئيس الذي يؤدى إلى قبلة من خمس درجات يصعد منها إلى ردهة تتقدم باب المسجد، كما يعلو الفتحة الخارجية إلى ما يقرب نهاية المسجد وتحت الشرفات كرديان ممتدان من الحجر نقشت في خواصرها زخارف نباتية محورة وتنتهى بأربعة صفوف من الدلايات، ويعلو باب المسجد عتب من الرخام الأسود يعلوه لوح من الرخام نقش عليه بيتان من الشعر سجلت اسم المنشئ وتاريخ الإنشاء السابق، هما:

أتم بناه داود صديق وفي سبيل الهدى قد جد سيرا
حمدناه فأرخنا بناه "حوى حمدا جزاه الله خيرا" ويعلو اللوحة نافذة صغيرة مربعة ملئت بخشب الخرط، ويحتوي المسجد على صفين من النوافذ يعلوهما عتب وعقد عاتق ثم شريط طويل من الكتابة، وقد ملئت تلك النوافذ من الخارج بمصبعات حديدية ومن الداخل بضلف من الخشب المطعم بالعاج والصدف والأبنوس، وقد تعرض المسجد للعديد من السرقات وكان آخرها سرقة بعض حشوات تلك المنافذ .