بدء زراعة أكثر من مليون فدان أرز.. واستنباط 4 أصناف جديدة قليلة الاستهلاك للمياه

زراعة الأرز على الأراض المصرية
زراعة الأرز على الأراض المصرية

إذا كانت اللحوم هى «سيد الطعام» كما تُوصف دائمًا، فإن الأرز هو أهم الأطباق أيضًا على موائد المصريين، فهو الطعام الذى تعتمد عليه الأسر المصرية فى مختلف وجباتها، لذا تولى الدولة اهتمامًا بالغًا بزراعته، مع توفير كل سبل الدعم اللازمة للفلاحين لزراعته بالكميات المناسبة التى تكفى استهلاك واحتياجات المصريين.

ولأن الأرز أحد المحاصيل الاستراتيجية الشرهة للمياه، فقد حددت الدولة ممثلة فى وزارتى الزراعة والرى معايير واضحة لزراعته، ومحافظات معينة يتم زراعته فيها، كما واصل الباحثون فى قسم بحوث الأرز بمركز البحوث الزراعية جهودهم من أجل استنباط أصناف جديدة من المحصول تكون أقل استهلاكًا للمياه، وفى الوقت نفسه تعطى إنتاجية أكبر، مع تحمل الظروف المناخية المتغيرة.

وخلال الأيام الماضية أكد د. مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء الأهمية الاستراتيجية لمحصول الأرز باعتباره أحد مكونات الغذاء الرئيسة للمواطن المصري، فضلًا عن الأهمية الاقتصادية لزراعة ذلك المحصول، الذى تمتلك مصر فيه ميزة نسبية، كما أكَّد الدكتور مصطفى مدبولى خلال اجتماع مع وزير الزراعة ضرورة الالتزام بالمساحات المُحدَّدة بشأن زراعة محصول الأرز، مُشددًا على أهمية استنباط أصناف من التقاوى «قليلة استهلاك المياه» وكثيفة الإنتاج فى الوقت ذاته، بما يؤدى بدوره إلى زيادة عرض السلعة فى الأسواق وخفض أسعارها.

وقال السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي إنه تم بالفعل -من خلال الممارسات الزراعية المُبتكَرة والمستندة إلى التكنولوجيا- استنباط أصنافٍ من الأرز تُسهم فى تقليل استهلاك المياه؛ نظرًا لأن تلك الأصناف تتطلب فترة نمو أقل للمحصول.

وأكد الوزير أن تلك الأصناف والهجن الحديثة من الأرز يُمكنها تحمُّل أى نقص للمياه وكذا التغيرات المُناخية، وقد ساهمت بالفعل فى توفير ما يزيد على 20% من الاحتياجات المائية للمحصول. ليس ذلك فحسب، بل أفضت تلك الأصناف أيضًا إلى زيادة الإنتاجية بصورةٍ كبيرة.

الأمن الغذائي
فى البداية أكد د. حمدى الموافي، رئيس المشروع القومى لتطوير الأرز بمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، أن الأرز من أهم المحاصيل الغذائية الاستراتيجية بعد القمح، إذ إنه يوفر 50 % من السعرات الحرارية التى يستهلكها أكثر من 3 مليارات شخص فى العالم، كما أنه يقع على عاتقه مسئولية بالغة الأهمية فى ضمان الأمن الغذائى العالمي. 
وأضاف أنه خلال الموسم الماضى تمت زراعة مساحة تصل إلى 1.6 مليون فدان، حققت إنتاجا يقارب الـ 6.5 مليون طن أرز شعير بمتوسط إنتاجية 3.988 طن للفدان، وأشار إلى أن استهلاك الأرز فى مصر يتراوح بين 3.2 و3.5 مليون طن أرز أبيض، لذا يوجد اكتفاء ذاتى وفائض يتراوح بين 855 ألف طن إلى 1.1 مليون طن أرز أبيض على اعتبار أن متوسط استهلاك الفرد فى مصر فى العام يتراوح بين 40 و42 كيلو جراما من الأرز الأبيض.

وقال إن استراتيجية ٢٠٣٠ حددت مساحة ١٫٤ مليون فدان لتحقيق الاكتفاء الذاتي، مع زيادة إنتاجية الفدان من ٤ ٫ 4.5 طن/ للفدان، الأمر الذى لا يمكن تحقيقه سوى من خلال تقنيات الأرز الهجين والتركيب النباتى الجديد للأرز والذى يطلق عليه «الأرز السوبر» و»الأرز السوبر الهجين»، وبالتالى لا يوجد حل لتقليص المساحة المقررة بالفعل سوى بزيادة المساحة المزروعة بهذه النوعية.

محصول رئيسي
وأكد أن محصول الأرز يعتبر المحصول الرئيسى لتوفير السيولة النقدية للمزارعين وأيضًا المحصول الأكثر ربحية مقارنة بالمحاصيل الصيفية الأخرى. أما بالنسبة للدخل القومى فبجانب أنه يوفر الاكتفاء الذاتى من الغذاء للشعب المصرى وهذا يوفر العملات الصعبة التى تستخدم فى الاستيراد إلى جانب ذلك أيضا فإنه كان يعتبر المحصول الزراعى الرئيسى لتوفير العملة الصعبة للدولة عن طريق التصدير للخارج بكميات كانت تتراوح ما بين 500 ألف إلى مليون طن أرز أبيض سنويا ويحصل على أعلى الأسعار العالمية لتميزه، حيث إن الأرز المصرى مرغوب جدا فى الأسواق العالمية «حوالى 64 دولة كانت تستورده» نظرًا لجودته العالمية وذلك حتى بداية صدور قرارات منع التصدير عام 2008.
وأضاف أن محصول الأرز يعتبر من أهم المحاصيل التى تستخدم فى استزراع الأراضى حديثة الاستصلاح خاصة الأصناف المتحملة للتغيرات المناخية من ندرة مياه وملوحة تربة، وتأتى مصر فى مقدمة دول العالم فى إنتاجية وحدة المساحة التى تخطت 10 طن للهكتار يليها أستراليا، وتتميز مصر بنوعية الأرز اليابانى عالى الجودة والذى لا ينافسه فيه سوى أرز كاليفورنيا أو اليابان ويتفوق عليهما الأرز المصرى من حيث الطلب والجودة، كما تخطت مساحة زراعة الأرز السوبر 40 % من جملة مساحة الأرز المزروعة على مستوى الجمهورية عام 2023، وتفاوتت النسب فى المحافظات المختلفة حيث شكل أكثر من 70 % فى محافظة البحيرة وأكثر من 60 % فى محافظة الغربية واحتل مركزا متقدما فى بقية محافظات زراعة الأرز.

تركيب وراثى
وأشار «موافى» إلى أن الأرز السوبر هو تركيب وراثى وليس صنفا بعينه، وهو أحدث تطوير للتركيب النباتى لنبات الأرز فى العالم، حيث إن هناك مجموعة من الصفات والمميزات إذا توافرت فى الصنف يطلق عليه أرز سوبر، وقد أحدثت هذه التراكيب الجديدة طفرة فى الإنتاج والمقاومة للتغيرات المناخية حول العالم وعلى سبيل المثال المشروع العالمى Green Super Rice الذى شاركت فيه أكثر من دولة ومنظمة دولية مثل الصين والفلبين ومركز الأرز الدولى ومركز الأرز الإفريقي، وكذلك مشروع الأرز السوبر والأرز الهجين السوبر بالصين الذى زاد الإنتاجية فى الصين إلى أكثر من ٣٠ %، وفى نفس السياق فقد طورنا فى المشروع القومى لتطوير الأرز الهجين والسوبر فى مصر التركيب النباتى للأرز المصرى بخبرات وتراكيب وراثية مصرية حتى الوصول من خلال المشروع إلى تسجيل أكثر من ١٥ صنفا وهجينا من بينها الأصناف والهجن السوبر والبسمتى وغيرها خلال ١٠ سنوات من العمل الدءوب.

وأشار إلى أن الاستراتيجيات والخطط التى توضع تبنى على ما وصلنا إليه من أصناف وهجن لها القدرة على كسر حاجز الإنتاج، أما عن تنفيذ هذه الاستراتيجيات فكان المنوط بذلك هو السلطات التنفيذية فى المؤسسات المختلفة، وفى ذلك فإن برنامج التقاوى التقليدى فى قسم بحوث الأرز هو المسئول الأول عن زيادة مساحات إنتاج تقاوى الأرز الهجين لزيادة مساحات زراعة الأرز الهجين لدى المزارعين ونشره، وحيث إن جميع الكميات التى تنتج سنويا من تقاوى الأرز الهجين وحتى عام ٢٠٢٣ يتم توزيعها بالكامل ما يدل على إقبال المزارعين على إنتاجه نتيجة مميزاته بالتهجين بين الطرق النباتية الجديدة والأصناف المصرية.

وأضاف أنه تم تسجيل الصنف سخا سوبر ٣٠٠ وكافة الأصناف والهجن والأرز الهجين البسمتى بعد اجتياز كافة الاختبارات وفق القواعد واللوائح المعمول بها لتسجيل الحاصلات الزراعية، وتتميز هذه الأصناف بالمحصول العالى وتحمل الإجهادات، فالأصناف السوبر متنوعة ومتحملة لندرة مياه الرى، وأشار إلى أن فترة نمو محصول الأرز قصيرة «125-135 يوما» لمعظم الأصناف الحديثة ومشاكله أقل مقارنة بالمحاصيل الصيفية الأخرى، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للمزارعين لزيادة التكثيف المحصولى بزراعة البرسيم الفحل بعد الأرز المبكر.

أهداف مستقبلية
وأوضح «موافى» أن المشروع القومى لتطوير الأرز يسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف خلال الفترة المقبلة ومن بينها تطوير وتحسين واستنباط وتسجيل هجن سوبر مصرية عالية المحصول متحملة للملوحة وندرة مياه الرى باستخدام العقم الذكرى الوراثى البيئى نظام السلالتين وتحقيق تفوق محصولى يتراوح من 20-30% على أعلى الأصناف والهجن التجارية المزروعة، بالإضافة إلى تطوير وتحسين واستنباط وتسجيل سلالات وأصناف سوبر مصرية أبوية سواء كانت سلالات أم عقيمة الذكر وراثيا نظام الثلاث سلالات معيدة لخصوبة سلالات العقم الذكرى السيتوبلازمى الوراثى أو أصناف سوبر عالية المحصول تستخدم مباشرة أو فى إنتاج هجن الأرز السوبر.

الخطة المستهدفة
من جانبه أوضح د. مجاهد عمار وكيل معهد بحوث المحاصيل الحقلية بوزارة الزراعة، أن الدولة تهدف إلى زراعة مليون و74 ألف فدان بمحصول الأرز خلال الموسم الجديد، وهى الخطة التى تم اعتمادها من قبل وزارتى الزراعة والرى فى إطار التنسيق المشترك بينهما، بإنتاج يتراوح بين 4 و5 ملايين طن.

وأضاف أن مصر يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتى من المحصول حال زراعة 1.3 مليون فدان أرز، وللأسف هذه المساحة الإضافية تُزرع بالمخالفة كون الأرز من المحاصيل شديدة التنافسية فى الموسم الصيفي، وأشار إلى أنه خلال العام الماضى تم زراعة 1.620 مليون فدان بإجمالى إنتاج يقارب 6 ملايين طن وهو أكثر من الاحتياجات الخاصة بالسوق المحلية، إذ يصل إجمالى ما نستهلكه سنويًا إلى ما يقرب من 5 ملايين طن من الأرز الشعير.

وأوضح أن مشكلة الأرز ليست مشكلة إنتاج لكن تداول وتخزين وبعض الممارسات الاحتكارية من قبل بعض التجار وبعض المزارعين، ما يتسبب فى حدوث أزمة دون أن يكون لها أسباب تتعلق بالزراعة والإنتاج، وأشار إلى نجاح الوزارة ممثلة فى مركز البحوث الزراعية خلال العام الماضى 2023 فى تسجيل أربعة أصناف جديدة وجميعها تتحمل الإجهادات البيئية والحيوية وذات مرونة عالية فى مواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية، فضلاً عن إنتاجيتها العالية وجودة حبوبها، ومن بين هذه الأصناف جيزة 183 وسخا سوبر 301 و302 و303.

إنتاجية عالية
وأكد أن هذه الأصناف ذات إنتاجية عالية، كما أنها تؤكد الجهود الكبيرة التى يقوم بها الباحثون بمركز البحوث الزراعية فى العمل على استنباط أصناف جديدة لزيادة الإنتاجية فى وحدة المساحة من الأرز تكون قليلة الاستهلاك للمياه وتزيد معدلات الإنتاج، وهنا أيضًا يجب الإشارة إلى الصنف سخا سوبر ٣٠٠ والذى حصل على جائزة جنيف الدولية للابتكار٢٠٢٢.
وأضاف أن الأرز مثله مثل كل المحاصيل يواجه تحديات مثل ندرة المياه والملوحة والتغيرات المناخية، وتعمل الوزارة على استنباط ونشر الأصناف قليلة الاستهلاك المائى والموفرة لمياه الرى لإنتاج ما يكفى الاحتياجات المحلية بأقل كمية مياه ممكنة وتوفير أكبر قدر من المياه للاستفادة بها فى مشروعات الدولة المصرية للتوسع الأفقي، فمصر تستهدف استصلاح 3.3 مليون فدان، وبالتالى فإن أى قطرة مياه إضافية يجب أن تكون لهذه المشروعات العملاقة، ومن بين التحديات أيضًا نسبة الملوحة لذلك يتم زراعة المحصول فى الشريط الشمالى للدلتا وذلك لغسيل قطاع التربة ومنع التسرب الملحى من مياه البحر لأراضى الدلتا.

نتائج مهمة
وأشار إلى أن جهود الباحثين أثمرت عن نتائج مهمة، فعلى سبيل المثال بعد أن كان الفدان يستهلك ما يقارب 8 آلاف متر مكعب مياه، أصبح اليوم يستهلك 5 آلاف متر مكعب فقط كمتوسط عام لجميع الأصناف أو أقل من ذلك، كما أن إنتاج الفدان فيما قبل كان لا يزيد على 2.4 طن، لكنه وصل اليوم إلى 4 أطنان، أى بزيادة تصل إلى 65 %، وأدت تلك الجهود إلى أن تكون مصر هى الدولة الأولى على مستوى العالم فى إنتاجية وحدة المساحة رغم التحديات، وقال: نسعى دائمًا لضبط المساحة المزروعة من المحصول بما يكفى لتحقيق الاكتفاء الذاتى من هذا المحصول الاستراتيجي، لكن الميزة التنافسية العالية لمحصول الأرز تدفع الفلاحين إلى زراعة مساحات إضافية. وأكد أن الوزارة لا تدخر جهدًا فى تطوير الأصناف والتكنولوجيات الموفرة للمياه لتحقيق الهدف المنشود لهذه السلعة الاستراتيجية ذات الارتباط الوثيق بالأمن الغذائى للدولة المصرية.

الاحتياجات المحلية
من جانبه قال حسين عبدالرحمن نقيب عام الفلاحين إن زراعة الأرز سوف تبدأ فى شهر مايو بعد حصاد الأقماح فى 9 محافظات هى محافظة الإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ والدقهلية ودمياط والشرقية والإسماعيلية والغربية وبورسعيد بمساحة تكفى الاحتياجات المحلية من المحصول، حيث حددت الحكومة مساحة 725 ألف فدان لزراعة الأرز بمياه النيل، بالإضافة إلى نحو 350 ألف فدان تُزرع بأصناف الأرز الجاف ومياه الصرف الزراعى المعالجة، ويحظر زراعة الأرز فى غير المناطق المصرح لها. 

وأكد عبدالرحمن أن سبب انخفاض أسعار الأرز فى الفترة الأخيرة هو كثرة المعروض مع قلة الطلب، حيث بدأ التجار يتخلصون من الأرز المخزن لديهم بعد انتهاء شهر رمضان المبارك وقرب موعد زراعة الأرز فى الموسم الجديد مع انخفاض أسعار البدائل الأخرى للأرز المصنوعة من الدقيق كالمكرونة مع زيادة الضغط الرقابى على المستغلين والمحتكرين. 
وأكد أن الحكومة تسعى بكل جهد لاستنباط أصناف جديدة من الأرز قليلة استهلاك المياه لزيادة مساحات زراعة الأرز، مع ترشيد استهلاك المياه، بالإضافة إلى الاتجاه لزراعة كميات من الأرز البسمتى كتجربة لأول مرة فى مصر هذا الموسم لتلبية الاحتياجات المحلية منه، مؤكدًا أن سعر كيلو الأرز عالى الجودة للمستهلك حاليًا أقل من 30 جنيها لأغلب الأصناف.
وأشار إلى أن طن الأرز الشعير رفيع الحبة وصل سعره إلى 14 ألف جنيه فى بعض الأصناف بعدما كان سعره 17 ألف جنيه، ووصل سعر طن الأرز الشعير عريض الحبة إلى 15 ألف جنيه بعدما وصل سعره فى الأيام القليلة الماضيه لـ 18 ألف جنيه، فيما وصل طن الأرز الأبيض رفيع الحبة إلى 25 ألف جنيه، ووصل سعر طن الأرز الأبيض عريض الحبة إلى 26 ألف جنيه بانخفاض تجاوز الـ 2000 جنيه فى الطن عن الأيام القليلة الماضية، ما سوف ينعكس بالانخفاض على كافة أسعار الأرز المعبأ خلال الأيام القادمة.