خارج النص

«ترميم» الحجر والبشر!

د. اسامة السعيد
د. اسامة السعيد

ما يجرى اليوم من عمليات ترميم لآثارنا التاريخية، سواء الإسلامية أو القبطية مسألة تدعو للابتهاج والإشادة، فعلى مدى أيام متتالية احتفلنا بافتتاح مسار الدرب الأحمر، الذى ينطلق من حديقة الأزهر، ويضم 12 أثرا إسلاميا عريقا.

بعدها احتفلنا بإعادة افتتاح جامع الحاكم بأمر الله بعد ترميمه، والذى يعتبر رابع أقدم مساجد مصر الجامعة، وثانى أكبر جوامع القاهرة بعد جامع أحمد بن طولون، ويعود تاريخه لأكثر من ألف عام.

والمسجد هو أحد الآثار الكبرى التى تضمها التحفة البهية والدرة الفريدة، وأعنى شارع المعز أجمل شوارع المدن الإسلامية وأكثرها ثراء بالتاريخ والحكايات، فأنت تسير فى رحلة عبر الزمن، تقطع فى دقائق ما صنعه الزمن فى قرون.

يجرى كل هذا بينما يُستكمل مشروع تطوير القاهرة التاريخية، وإحياء مسار العائلة المقدسة الذى يمتد فى عدة محافظات، وإذا ما أضفنا أيضا تلك السلسلة القيمة من المتاحف الجديدة، بينما ينتظر العالم معنا افتتاح المتحف الكبير فى أحضان منطقة الأهرامات، فسندرك أن ما يجرى ليس مجرد ترميم للآثار، بل هو ترميم للتاريخ، وجزء من محاولات إعادة بناء الهوية والشخصية المصرية، التى أراد لها البعض أن تُغيّب عن تاريخها، وأن تنسى ماضيها، بل وأن تعاديه وتتنكر له أحيانا!!

باختصار ما يجرى هو محاولة لترميم للحجر والبشر، لكن لن تؤتى ثمارها إلا عندما يصبح ذلك التاريخ جزءا حيا من حياتنا، لا يقتصر الاستمتاع به على السائحين الزائرين، الذين يعرف بعضهم عن تاريخنا أكثر مما يعرف معظمنا!

أتمنى أن تُلزم وزارة التعليم جميع المدارس، دولية أو خاصة أو حكومية، بتنظيم رحلة واحدة على الأقل فى كل فصل دراسى إلى تلك المواقع، وأن تكون الرحلة إلزامية وبسعر التكلفة، بدلا من تلك الرحلات إلى المولات والملاهى التى تتربح منها المدارس، ولا تضيف لشخصية أبنائنا سوى مزيد من السطحية!!

أرجو كذلك أن تضع الجامعات تلك المواقع الملهمة على أجندة الأنشطة العلمية والطلابية، وأن تُنظم رحلات علمية جادة بصحبة متخصصين من أساتذة كليات الآثار وأقسام التاريخ لشرح جوانب ذلك الماضى العريق، الذى ننتمى إليه قولا دون أن يتحول الأمر- حتى الآن- إلى فعل!!