«المستعمل» يخفض فاتورة الزواج

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتبت: علا نافع

تشهد مصر فى الفترة الأخيرة ظاهرة ملحوظة تتعلق بزيادة عدد الشباب الذين يقبلون على الزواج ويتجهون نحو شراء الأثاث المستعمل والفرش والأجهزة الكهربائية الضرورية فقط. يأتى ذلك فى ظل ارتفاع تكاليف الزواج التى باتت تعد عبئًا على الشباب وعائلاتهم. ولاحظنا أنه بعد عيد الفطر الذى انقضت أيامه مؤخرًا، شهدت حالات عقد القران ارتفاعًا ملحوظًا، حيث يعتبر هذا التوقيت الزمنى فترة مناسبة للزواج بالنسبة للعديد من الشباب فى مصر. يرجع السبب وراء هذا الاتجاه إلى تحمل الأثاث المستعمل والفرش والأجهزة الكهربائية تكاليف أقل، مما يساعد الشباب على تحقيق حلم الزواج دون تكبد أعباء مالية كبيرة.

◄ ارتفاع سعر السلع المعمرة يدفع الشباب إلى حلول بديلة

◄ البعض يلجأ لشراء أثاث «نص عمر» وإعادة طلائه ليبدو جديداً

■ سوق التونسي

ظل حسن يحلم بتأسيس عش الزوجية الصغير الذى سوف يضمه مع خطيبته سهى منذ خطبتهما قبل ثلاث سنوات، لكن أحلامه أخذت تتبخر يوما بعد يوم مع ارتفاع أسعار نفقات الزواج من فرش وأثاث منزلى وأجهزة كهربائية، وحتى إيجارات الشقق التى زادت بشكل خيالى فى فترة وجيزة، فضلا عن أسعار الذهب الذى يعد أحد أهم عادات الزواج.

حسن سعى كثيرا لتدبير نفقات الزواج من خلال عمله الإضافى، لكن محاولاته لم تكلل بالنجاح بسبب الارتفاع المستمر فى الأسعار، فقرر تأجيل الزواج لأجل غير مسمى حتى يستطيع استكمال أساسيات الزواج أو فسخ الخطبة والتخلى عن فكرة الزواج نهائيا، إلا أن أحد أصدقائه اقترح عليه شراء أثاث منزلى «نصف عمر» وإعادة طلائه وتجديده فى ورش متخصصة لذلك التى تنتشر بمنطقة المناصرة ومصر القديمة، وكذلك شراء بعض الأجهزة الكهربائية المستعملة بأسعار معقولة وتعرضها صفحات عديدة على موقع «فيسبوك»، وبعد أن عرض الفكرة على أهل خطيبته وافقوا، وتجدّد حلم الزواج لديه مرة أخرى بعد تحديد موعده ليكون فى الصيف المقبل.

■ سوق المستعمل

◄ أسعار مرتفعة 
لم تكن قصة حسن الوحيدة من نوعها، فالكثير من الشباب يمرون بنفس الظروف، لكنهم يحاولون إيجاد حلول بديلة ومنطقية، ومن بينهم أحمد سليم (محاسب) الذى قال: بعد خطبتى بشهرين بدأت أسعار السلع المرتبطة بتجهيز المنزل ترتفع بشكل كبير، ومنها الأثـــاث والأجهزة الكهربائية، بخلاف تكاليف تشطيب شقة الزوجية، فقررت تأجيل الزواج لحين استكمال المستلزمات التى أصبحت تحتاج أضعاف الأضعاف ما كان متفقا عليه. 

وأضاف سليم أن أهل خطيبته رفضوا فى بداية الأمر تأجيل موعد الزواج، لكنهم وقعوا فى مشكلة ارتفاع أسعار الأجهزة والمفروشات ومستلزمات المطبخ، ما جعلهم يشترون الأشياء الضرورية فقط كالسجاجيد والمفروشات.

أما محمود إبراهيم (مدرس)، فقال إنه خطب زميلته فى العمل العام الماضى، وكان يعتقد أن مبلغ السبعين ألف جنيه الذى كان بحوزته قد يجعله قادرا على شراء الأثاث المنزلى من غرفة نوم وغرفة أطفال وصالون، لكنه تفاجأ بأن الأسعار زادت بشكل كبير، والأمر ذاته بالنسبة لأسعار الستائر والسجاجيد، «ما جعلنى أبحث عن صفحات تبيع الأثاث المستعمل لكنه بحالة جيدة بعد موافقة خطيبتى على تلك الفكرة وبالفعل اشتريت ما أحتاجه بسعر معقول».

ويضيف: كما واجهتنى مشكلة شراء الشبكة مع تذبذب سعر الذهب عيار 21 إذ تخطى سعره الثلاثة آلاف جنيه وهو ما جعلنى أشترى خاتما ودبلة فقط وقد وافقنى أهل خطيبتى من باب التعجيل بالزيجة، مشيرا إلى أن العائلتين قررتا إلغاء حفل الزواج واقتصاره على جلسة تصوير فى حديقة عامة ورحلة يومين لإحدى المدن الساحلية.

أما يوسف نبيه (30 عاما)، فيشير إلى أن عائلة خطيبته لم توافق على التنازل عن بعض الاتفاقات وذلك من باب «اللى معهوش ما يلزموش»، واعتبارهم أن حفل الزفاف وتأثيث شقة كاملة من كافة احتياجاتها «برستيج» لا يمكن التنازل عنه، ما دفعه للتخلى عن فكرة الزواج نهائيًا وإنفاقه مبلغ الزواج على رفاهيته والسفر للتنزه.

◄ اقرأ أيضًا | وزير الصحة: فحص 800 ألف شاب وشابة ضمن مبادرة المقبلين على الزواج

◄ تيسير الفرحة
أما ناجى السعدنى (57 عامًا)، فيقول: بعد خطبة ابنتى منذ عام ونصف تقريبا واتفاقنا على تأثيث منزل الزوجية فضلا عن شراء شبكة تزن 100 جرام عيار 21، إلا أنه مع ارتفاع الأسعار قررت التراجع عن كل ذلك ووافقت على أن يشترى العريس خاتما ودبلة ومحبسًا لا يزيد وزنها عن 30 جراما، مع شراء الأجهزة الكهربائية الضرورية فقط وفرش غرفتين، وذلك من باب تيسير الوضع وإتمام الزيجة فى أقرب وقت كما أوصانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

◄ سوق المستعمل
فى منطقة السيدة عائشة وتحديدا بناحية التونسى وفى يوم الجمعة تمتلئ الشوارع والحارات بالأثاث المنزلى المستعمل الذى أصبح له زبائن يحرصون على شرائه وتجديده وطلائه بألوان زاهية كى يعيدوا إليه رونقه، عرائس وعرسان يتجولون فى الأزقة علهم ينجحون فى الحصول على أثاث منزلى يفرشون به منزلهم الصغير ويتغلبون على ارتفاع نفقات الزواج، يتحايلون على قِدم الغرف والأنتريهات سواء بإعادة طلائها أو تنجيدها واختيار ألوان زاهية له تشعرهم بزهوة فرحهم.

يقول راضى عواد (نجّار) إن السوق أصبح مزدحمًا بالكثير من الشباب الراغبين فى الزواج للحصول على غرف نوم أو أطفال أو غيرها بأسعار معقولة، فالأثاث المستعمل الموجود بالسوق يكون بحالة جيدة لا تختلف كثيرا عن الجديد وبالطبع فإن أسعاره تختلف بحسب الخشب المستعمل به فيمكنك أن تجد غرفة نوم بسعر خمسة آلاف جنيه وأخرى بسعر يتخطى العشرة آلاف جنيه.
ويضيف عواد: يتحايل الزبون على لون الأثاث الباهت بإعادة طلائه أو رسم بعض النقوش المزركشة عليه، خاصة إذا كانت الغرفة مصنوعة من خشب الزان غالى الثمن، والبعض يقوم بتنجيد كراسى الأنتريه أو الصالون وتغيير لون وساداته ما يجعله يبدو كالجديد.

ولم يختلف حال سوق الأثاث المستعمل عن الأجهزة الكهربائية المستعملة التى اكتسبت الكثير من الزبائن هى الأخرى ففى شارع عبد العزيز بالعتبة شهدت محلات السلع المنزلية المعمرة نشاطا ملحوظا لبيع المستعمل وأصبح الأهالى يتخطفونها ويحجزونها بالطلب. 

يقول أحمد عبدالغنى، صاحب معرض لتجارة الأجهزة: مع تذبذب سعر الدولار وارتفاع أسعار الأجهزة الكهربية لجأ الكثير من الشباب للأجهزة المستعملة أو الأجهزة «الفرز الثانى» أو حتى المُعاد تصنيعها، وذلك لانخفاض أسعارها مقارنة بالأجهزة الحديثة وأغلبها يكون إما به خدوش أو كسور بسيطة يمكن التغاضى عنها أو تصليحها بتكلفة بسيطة، مشيرا إلى أن سعر الثلاجة قد يبدأ من خمسة إلى عشرة آلاف جنيه، أما السخان الكهربائى فسعره لا يزيد على ألفى جنيه، والغسالة سعرها لا يتجاوز خمسة آلاف جنيه حسب الماركة والحالة.

◄ تغيير العادات 
من جانبها، تقول الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع: جاءت التغيُّرات الاقتصادية وارتفاع تكاليف الزواج لتدفع المجتمع إلى التخلى عن عاداته المتوارثة فى حفلات الزواج الأسطورية والتكاليف المبهرة سواء من تأثيث شقة الزوجية أو شراء عدد كبير من الأجهزة فضلا عن شراء شبكة كبيرة، فأصبح العروسان لا هم لهما سوى تجهيز شقة بسيطة يتزوجان بها وفى حال تحسن أوضاعهما يستكملان ما تبقى من متطلبات.

◄ دعوة نبوية 
أما الدكتور عبدالله نور، أستاذ الفقه والشريعة، فيوضح أن الإسلام لم يشترط على الراغب فى الزواج إلا القدرة على تكاليف الأسرة الجديدة ليستطيع إعالة أسرته وإعاشتها فى عزة وكرامة، فهو لم يشترط الغنى والثراء فى الشاب وفى حديث للرسول الكريم عن المهر لشخص أراد الزواج قال له «التمس ولو خاتما من حديد»، لذا فإن المغالاة فى المهور ليست من سُنة الإسلام بل هى حفاظ للشاب والفتاة من الوقوع فى المعاصى، وهناك حديث آخر للرسول (صلى الله عليه وسلم)، يقول فيه «أقلهن مهرا أعظمهن بركة».

ويضيف نور: فى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان الصحابة يتزوجون بآيات من القرآن الكريم فكان مهر الزوجة أن يعلمها زوجها آيات القرآن، لذا على كل أب ألا يغالى فى المهور ويسهم فى التغلب على تلك المشكلة الاجتماعية للحفاظ على الشباب والفتيات من الوقوع فى المحاذير.