محسن الشوبكي: السياسات الامريكية في منطقة الشرق الاوسط

محسن الشوبكي
محسن الشوبكي

بين التذبذب والتجاهل والتناقض الشرق الأوسط منطقة حساسة ومهمة في الجغرافيا السياسية العالمية، فهو يضم العديد من الدول العربية والإسلامية التي تمتلك موارد طبيعية وثقافية ودينية غنية ومتنوعة.

كما تشهد المنطقة العديد من الصراعات والتحديات التي تؤثر على الأمن والاستقرار والتنمية فيها. ولهذه الأسباب، تولي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماما خاصا بالشرق الأوسط وتسعى للحفاظ على مصالحها ونفوذها فيه.

لكن ما هي طبيعة السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط؟ وما هي العوامل التي تحددها؟ وما هي الآثار التي تخلفها على الدول والشعوب العربية؟ وما هي المواقف العربية تجاه هذه السياسات؟ .

التذبذب بالسياسة الامريكية تجاه منطقة الشرق الاوسط , ما بين الابتعاد عن المنطقة والعودة اليها بقوة , بفعل عوامل سياسية واستراتيجية تتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي او لمواجهة ازدياد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة , وانعكاس ذلك بمواقف حادة وغير محايدة من مختلف القضايا العربية , مما يتيح لها التأسيس لمواقف شعبية عربية تجاه هذه السياسات الامريكية , التي تندرج ضمن عدة محاور .

هناك تجاهل امريكي للمصالح العربية التي تتعارض مع مصالحها الخاصة،  مثل دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني على مختلف الصعد ، الذي يحتل الأراضي الفلسطينية وينتهك حقوق الشعب الفلسطيني , ومشاركة الولايات المتحدة في الحرب على غزة عبر تقديم الأسلحة والغطاء للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل , كذلك موقفها المتناقض من عاصفة الحزم ضد الحوثيين , وموقفها الحالي المؤيد لاسرائيل ضد الحوثيين وتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الاحمر . النظرة الغربية النمطية السلبية للشعوب العربية  وانهم شعوب متخلفة ومتطرفة ومتناقضة وعنيفة ، واتضح ذلك في سلسلة المواقف الامريكية خلال الحرب الهمجية على غزة , وهذه الصورة رسمها الاعلام الغربي على مر السنين وليست وليدة اللحظة ويتم استحضارها حسب السياسات الغربية .

الولايات المتحدة قامت بفتح حوار مع ايران على مدى سنوات اثمر عن زيادة النفوذ الايراني في المنطقة العربية , وكذلك عقد الاتفاق النووي عام 2015 وما تبعه من اتفاقات عام 2023 , مقابل تجاهل لمصالح حلفاء امريكا من الدول العربية , كما تم استخدام الساحات العربية في بعض الفترات كنقاط صراع للحصول على مكاسب سياسية هنا او هناك بين ايران من جهة واسرائيل وامريكا من جهة اخرى , ضمن حسابات محددة وعدم الانجرار نحو تصعيد عسكري كبير . الاستعداد الامريكي لاحياء عملية السلام ورفع شعار حل الدولتين , لا يعني بالضرورة وجود فهم واضح ومشترك نحو الدولة الفلسطينية المستقبلية لدى العرب وامريكا , التي اكدت مرارا انه لن يتم فرض اي حل على اسرائيل الرافضة اصلا لخيار الدولتين , ومن غير المستبعد ان يكون التصور الامريكي للدولة الفلسطينية هو توسيع صلاحيات الحكم الذاتي للسلطة الفلسطينية , وتطبيق نموذج ( جمهوريتي لوغانسيك ودونتسيك / شرق اوكرانيا , حيث اعترفت بهما روسيا كدول مستقلة ثم الحقتهما عبر اتفاقيات تحالف كامل ) , كما ان الاستراتيجية الامريكية الحالية زيادة التركيز على استمرار اتفاقيات ابراهيم واقامة علاقات تطبيعية بين اسرائيل وبقية الدول العربية .

بالمجمل هناك سخط عربي شعبي من السياسات الامريكية في الشرق الاوسط , وشعور بان هذه السياسات تستهدف الوطن العربي حتى وان جرى تغليفها انسانيا واقتصاديا واجتماعيا , اسست لبناء مواقف سلبية وناقدة وسخط شعبي خطير اتجاه هذه السياسات , وسينعكس ذلك سلبيا في المديات المستقبلية على المصالح الامريكية في المنطقة , وزيادة حدة التطرف واستمراره , وعلى الولايات المتحدة ان تسعى لاعادة بناء فهم وحوار حضاري مع الدول العربية وشعوبها .

من خلال ما تقدم، يمكننا القول إن السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط تتسم بالتذبذب والتجاهل والتناقض. فهي تتغير باستمرار بحسب المصالح الأمريكية والظروف الدولية والإقليمية، وتتجاهل المصالح العربية التي تتعارض معها، وتتناقض مع القيم والمبادئ التي تدعي الالتزام بها.

وهذا ينتج عنه سخط واستياء ورفض من قبل الشعوب العربية , ولذلك يجب على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في سياساتها وتحترم الحقوق والمصالح والكرامة العربية، وتساهم في حل القضايا العالقة بالحوار والتفاوض والعدل، وتبني علاقات متوازنة ومتبادلة الاحترام والمصلحة مع الدول والشعوب العربية. فهذا هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام والأمن والتعاون في المنطقة والعالم.