تاريخ  جهنم! 2012- م 05:49:25 الاحد 25 - مارس د. هاني حجاج من الوساوس القديمة للأنسان الأول عن وجود عالم آخر غير عالمنا الذي نحيا فيه، نشأت فكرته عن جهنم الرهيبة حيث تتعذب كل روح مخطئة و تلقى جزائها، و المادة التي يتكون منها هذا الجحيم هي بالطبع المادة التي تمثل خلاصة الاحقاد و الأخطاء على الأرض:  النار.  و فكرة وجود جهنم قديمة قدم الأنسان نفسه وبدأت مع اكتمال وعيه بتناقضات الأخلاق والطباع والتصرفات التي تحكم التعاملات بين المخلوقات العاقلة، ومع إدراكه لعجزه أمام تجبر من هو اقوى منه. و كان طبيعيا ان تكون جهنم في وصفها هي الضد لكل ما تمثله الجنة من نعيم و بهجة و سعادة مستديمة، وهي في ابسط معانيها بعد الخلاص من جدال عما اذا كانت لها علاقة بفكرة العقاب و حسابات يوم القيامة و سلطة الاله؛ وعما إذا كان عذابها مقيما أو مؤقتا؛ فهي تمثل الانعكاس الواضح لإخفاق المجموع الإنساني في تسوية نزاعاته الداخلية و وضع حلول مرضية لمشكلاته الاجتماعية.   في (الفردوس المفقود) كتب املتون يقول ان الانسان يفكر باستمرار في جهنم ومنها ينتقل إلى التفكير في الجنة، ثم يفكر في الجنة لينتقل منها الي التفكير في الجحيم من جديد، وهكذا يظل مرتبطا باليقين بوجود هذين المصيرين النقيضين الذين يمثلان قدره الخاص وأمله ومخاوفه. وفي كتاب )جورج مينوا) -(تاريخ جهنم)- يعرض المؤلف في تسعة فصول تتطور فكرة الانسان عن الجحيم منذ نشأته على وجه البسيطة وحتى العهود المعاصرة، متنقلا بين تصوّراته عن جهنم من افكاره البدائية إلى مناقشاته المعقدة الناتجة عن تراكمات مفهوم العذاب الأسطوري منذ الثقافة الدينية الأولى للحضارات الشفهية وحتى النظريات الملحدة الحديثة لمفكري عالم اليوم. إن فكرة جهنم عند حضارات الزولو والانكا والمايا والأزتك والمصريين القدماء الموغلة في القدم و التي تفصل بينهم مساحات هائلة وازمنة مختلفة تتباين فيما بينها في النمط الاجتماعي وأساليب الحياة و الأجواء العامة والظروف الاقتصادية، تحمل ملامح متشابهة إلى درجة كبيرة. ولكل من هذه الحضارات جهنم خاصة بها  ، لكنها في النهاية تتفق في مفهوم واحد تقريبا عن مكان شنيع تحدث فيه الاهوال في عالم تحت الارض يقود اليه طريق مظلم  كئيب تتعلق فيه الاشباح. هذا العالم هو مصير المخطئين و العصاة و المذنبين في حق انفسهم و ذويهم ؛ فيحكم عليهم بالتشرد و النفي الي هذا العالم السفلي المقبض.و في المجتمعات المتدينة ينضم الي قائمة المحكوم عليهم بجهنم هؤلاء التاركين لفروضهم و للمارسات الشعائرية الخاصة بمجتمعهم، فلدى الديانات الشرقية الرئيسية مثل الآشورية و السومرية و الهندوسية و الفرعونية فكرة شبه عامة عن الجحيم المؤقت الخاص باولئك المقصرين في اداء طقوسهم الخاصة بالدين. و ربما يكون اول ظهور للجحيم في عالم الادب في ملحمتي الإلياذة والأوديسا لهوميروس، ثم بدأ نقاشها بشكل اكثر عمقا في فلسفات ارسطو و سقراط و فيثاغورث وكان هناك شبه اجماع عن ان مثل هذا المصير اللعين لا وجود له من الاصل لانه يرتبط بوجود الآلهة التي تعتبر بدورها فكرة عبثية غير منطقية!   وإثناء تربع السيطرة اليونانية الرومانية على عرش العالم في فترة ما قبل المسيح انتشرت فكرة الجحيم بمفاهيم ثلاثة: جهنم الارضية الممثلة في عذاب الانسان علي سطح الأرض. وجهنم الفلسفية التي يرى فيها المفكرين انعكاسا للألم الانساني و هي تمثل النقيض ليوتوبيا افلاطون، وجهنم التي تقترب من مفهومنا المعاصر التي خلقتها القوة العليا.   ومع ظهور عهد الأديان يمكن للحديث عن جهنم ان يأخذ منحنى منطقي بعض الشيء. ويلاحظ أن العهد القديم لم يتحدث كثيرا عنها وربما لم يرد ذكرها فيه على الإطلاق، أما في العهد الجديد فقد بدأ الكلام عنها يتضح نوعا؛ و لكن بشكل غير مشبع ايضا تم اقتناصه من التقاليد الرؤيوية و من فكرة جهنم الارضية الرومانية و من كارثة سقوط أورشليم. ولعله الأدق هو اعتماد (رسالة الرسل) المؤلفة بين عامي 140 و 160, في مصر أو آسيا الصغرى والتي تصر على وجود مواجهة مباشرة بين المسيح والشيطان، وفي عصر آباء الكنيسة كان ثمة مفهومان: جهنم شعبية تعتمد على الرؤى وجهنم اللاهوتيين التي ظلت محل تفكير وبحث. مع ظهور فكرة المطهر وتخليص الذنوب بالنار وذلك لتقوية سلطة الكنيسة الراعوية الترهيبية التي اربكت سياسات الكنيسة المعاصرة. وشهد القرن التاسع عشر نشوء طفرات فكرية عديدة انكر بعضها جهنم المسيحية، و رأى بعض الشعراء و الأدباء في جهنم عالما ساحرا ملهما: يمكنك قراءة ديوان أزهار الشر لتشارلز بودلير وكتابات كيركيجارد ونظريات نيتشه و بالطبع؛ الكوميديا الإلهية لدانتي الليجيري التي تذكرنا برسالة الغفران لأبي العلاء المعري. و في النهاية تظل الفكرة الأكثر واقعية بين كل تلك المناقشات هي جهنم كما يراها الاسلام و التي تعتمد اساساً على كلمات الكتاب الكريم (القرآن) التي يصفها في اكثر من موضع و يعتبرها النقيض التام للفردوس ونعيمه، وهي جزاء الآثمين والعصاة. وهي خالدة وأهلها خالدون، صدقت كلمات الله سبحانه و تعالى . ***