قال الدكتور محمد عبد الرءوف المنسق العام للمجتمع المدني لمجموعة البحث العلمي التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن الطقس والمناخ يؤثر على الشعوب في كافة أنحاء العالم وتشهد فعلا جميع القارات والدول تغير المناخ وتغيرات في الأحوال الجوية.
وأوضح – في حواره لـ"بوابة أخبار اليوم"- أن القضية الآن مرهونة بيد الساسة فهم من يحددون مستقبل الأرض في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين الذي سينعقد بباريس بأخر نوفمبر وأول ديسمبر 2015 ويحضره الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وأضاف أن الهدف الأساسي من المؤتمر، هو تحقيق التزام دولي حول المناخ والحفاظ على الاحتباس الحراري أقل من 2 درجة مئوية.
وسيناقش المؤتمر موضوعات مختلفة مثل الحد من إنبعاثات الغازات الدفيئة، والتمويل لمبادرات التخفيف والتكيف، ونقل التكنولوجيا، حيث إن الدول لم تتوصل لاتفاق يحل محل بروتوكول كيوتو في مؤتمر الأطراف الخامس عشر في كوبنهاجن في عام 2009. ومنذ ذلك الحين، كانت جميع الأطراف تتفاوض للتوصل إلى اتفاق جديد مقبول من قبل جميع الدول بحلول عام 2015، ويدخل حيز التنفيذ في عام 2020. وهنا تكمن أهمية مؤتمر باريس للوصول لاتفاق قانوني ملزم ومساعدة للدول النامية والأكثر تضرراً من أثار مشكلة تغير المناخ.
- هل يمكن أن يتضمن اتفاق باريس هدفا طويل الأجل بشأن الانبعاثات؟
من المتوقع أن يتم التوصل لاتفاق في باريس لكن هل فعلاً الاتفاق سيرضي طموحات الشعوب باتفاقية ملزمة للجميع لمحاربة مشكلة تغير المناخ؟
وإذا أرادت الدول فعلا تصحيح المسار وضمان حل مشكلة تغير المناخ وليس فقط تقديم مسكنات للمشكلة فسيكون الاتفاق على هدف عالمي طويل الأجل بشأن انبعاثات الغازات الدفيئة. مثلاً هدف عالمي للوصول إلى انبعاث معدوم حتى 2100، أو لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول 2050. وسيتماشى هذان الهدفان بوجه عام مع الإبقاء على معدل الاحترار العالمي دون الدرجتين المئويتين. وستكون القمة فعلا تاريخية باتفاق كهذا.
يأتي أهمية الدور المصري في مفاوضات تغير المناخ من جانبين:
سياسياً: نجاح المؤتمر نجاح للدبلوماسية المصرية وفي هذا الاطار فان مصر تعمل مع الأشقاء العرب والدول الإفريقية قبل مؤتمر تغير المناخ (حيث تتولي مصر حالياً رئاسة لجنة رؤساء الدول الأفريقية والحكومات المتعلقة بقضايا المناخ ومصر هى رئيس مؤتمر وزراء البيئة العرب، ومؤتمر وزراء البيئة الأفارقة (الأمسن) من أجل الوصول لاتفاق قانوني وملزم ويضع في الاعتبار احتياجات الدول الإفريقية والعربية. وكذا من الأهمية بمكان الدعم للدول النامية سواء مالياً أو تكنولوجياً لمواجهة تغير المناخ. ومن الجلي أن مصر تلعب دوراً هاماً فيما يتعلق بالمناخ لما لها من تأثير في الجامعة العربية وفى منظمة الدول الأفريقية حتى يستطيع الجميع تحقيق الاتفاق الذي نطمح جميعاً إليه في باريس وأن القارة الإفريقية تواجه أخطار عديدة نتيجة تغير المناخ أهمها التصحر والجفاف وندرة المياه مع أنها تسهم فقط بنسبة 5% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم.
بيئياً: في حين أن مصر تسهم بأقل من 1% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم. في الواقع مصر من أكثر الدول المتضررة للآثار السلبية لمشكلة تغير المناخ وهذه تشمل مشكلات كالتصحر، وارتفاع مستوى البحر، وتملح التربة والمياه الجوفية وبالتالي مشكلات زراعية وغذائية وكذا ندرة المياه. فقضية تغير المناخ لمصر قضية أمن قومي
فمثلاً دلتا النيل وسواحل مصر البحر المتوسط تتعرض لمخاطر حقيقية نظراً لارتفاع منسوب مياه البحر فمساحات كبيرة مهددة بالغمر بمياه البحر وهذه هي مناطق زراعية وبالتالي أضرار كبيرة بالتربة والزراعة والغذاء والمياه الجوفية التي تتعرض للتملح كما تتعرض البني التحتية بالمدن الساحلية لدمار شامل. فمثلا طبقاً للتوقعات بارتفاع مستوي سطح البحر من متر إلى أربعة أمتار هناك تهديد لتهجير ما بين 7 إلى 12 مليون من سكان الدلتا والمدن الساحلية كالإسكندرية وبورسعيد ودمياط. إضافة للضغوط التي سيخلفها هؤلاء النازحين في المناطق الجديدة التي نزحوا إليها.
ولمفاوضات تغير المناخ بباريس أهمية خاصة لدول الخليج العربي نتيجة لعلاقتها بالوقود الأحفوري كمصدر رئيسي للاقتصاد في الدول الخليجية. فغالبية قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة والسياحة عالمياً تعتمد بصورة شبه كلية على الوقود الأحفوري، ونتيجة لذلك تولد نسبة كبيرة من إنبعاثات غازات الدفيئة. ولذلك، فان أي إجراءات تتخذ في هذا الصدد في الدول التي تتبنى قوانين لخفض الإنبعاثات لتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قد تؤثر على الطلب على الوقود الأحفوري وهو المصدر الأساسي لإنبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهو ما سيؤدي بالتبعية إلي تضرر اقتصاديات الدول الخليجية البترولية. فاتفاقية تغير المناخ تعتبر تحدياً كبيراً بالنسبة للدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري كمصدر اقتصادي رئيسي للدخل.
- ماذا عن نوة إسكندرية هل سببها المناخ؟
لا يمكن الجزم بذلك فتغير المناخ يحتاج لفترة طويلة 30 سنة على الأقل ومعدل تكرار للأحداث العنيفة كي يمكننا القول بثقة أن هناك تغيراً في المناخ. إن نوات الإسكندرية متوقعة وتحدث كل عام ويجب الإعداد للتكيف معها مسبقاً لتفادي ما شهدناه من أضرار بشرية ومادية.
- من أين التمويل لقضية تغير المناخ؟
التمويل متاح عبر العديد من البنوك التنموية والصناديق وبصفة أساسية عن طريق البنك الدولي ومرفق البيئة العالمي والصندوق الأخضر للمناخ.وخلال 2009، تعهدت الدول المتقدمة النمو بمنح 100 مليار دولار سنويا لغاية 2020، لمساعدة البلدان النامية على مكافحة تغير المناخ وسيقدم هذه المبالغ كل من الحكومات والقطاع الخاص. لكن الدول الغنية لم تعطي أية إفادة لمعرفة إن كان هذا التمويل سيستمر بعد 2020. كما أن دوافع اختيارها مبلغ 100 مليار دولار غير واضحة.
في باريس، من المفترض أن تتوصل البلدان لاتفاق بشأن العمل المناخي لما بعد 2020. وربما سوف ترتقب البلدان النامية من البلدان المتقدمة النمو تمديد عرض المائة مليار دولار أو الرفع منه. أما البلدان المتقدمة النمو، فقد تقول أنها مازالت تحد من النفقات جراء الأزمة المالية العالمية. وبالنسبة للتخفيف، يجب على البلدان المتقدمة النمو والنامية على حد سواء الاستثمار في التنمية المنخفضة الكربون، حفاظا على بقاء العالم على مسار مناخي آمن. وينبغي للبلدان المتقدمة النمو استثمار 590 مليار دولار إضافية سنويا تقريبا، والبلدان النامية حوالي 760 مليار دولار. وقد يطلب من البلدان المتقدمة النمو منح مئات المليارات من الدولارات سنويا لغاية 2050، لمساعدة البلدان النامية على تحقيق تخفيض أكبر لانبعاثاتها.
- ما هى الأدوار التي يضطلع بها القطاعان العام والخاص في تمويل المناخ؟
سيحتاج العالم إلى الأموال العامة والخاصة للمساعدة في تمويل الانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون. سيكون دور المستثمرين الخاصين وصناديق المعاشات والبنوك حاسما في تنفيذ أي اتفاق. ويمكن للحكومات التأثير على كيفية إنفاق القطاع الخاص لأمواله، وذلك بطريقتين. أولا، يجب أن يكون المستثمرون واثقين من جني أرباح، مثلا من الاستثمار في الطاقتين الريحية والشمسية. هنا يمكن للسياسة الحكومية التدخل. فالحكومات تستطيع تخصيص إعانات لدعم الطاقة المنخفضة الكربون، على سبيل الذكر. وستزيد هذه الإعانات من أرباح المستثمرين الخاصين وتشجعهم على إنفاق أموالهم.
ثانيا، بوسع الحكومات استخدام الأموال العامة مباشرة لدعم الاستثمارات المنخفضة الكربون، مثلا عبر المنح والقروض
- ما هو دور الصندوق الأخضر للمناخ؟
أحدثت بلدان الصندوق الأخضر للمناخ عام 2009، لتحويل الأموال العامة المخصصة لمكافحة تغير المناخ من البلدان المتقدمة النمو إلى البلدان النامية وسيمر "جزء لا يستهان به" من الـ100 مليار دولار التي التزمت بها البلدان المتقدمة النمو في 2020، كما جرى الإشارة إلى ذلك آنفا، عبر الصندوق الأخضر للمناخ. وكذا عبر مرفق البيئة العالمي.والغرض من الصندوق هو مساعدة البلدان النامية في خفض انبعاثات الكربون والاستعداد لتغير المناخ. وقد تشمل المشاريع حماية الغابات ودعم الطاقة المنخفضة الكربون وأموال لتقوية حماية السواحل.
الصندوق الأخضر للمناخ هو هيئة رسمية من هيئات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وتسترشد قواعده وعملياته بهذه الاتفاقية. ورغم أن الهدف من الصندوق الأخضر للمناخ هو مساعدة البلدان النامية، فإن بعضا من هذه البلدان يساهم كذلك في التمويل.مثل : شيلي وكولومبيا وإندونيسيا والمكسيك ومنغوليا وبنما وبيرو وجمهورية كوريا.
وبينما تعبر البلدان النامية عن رغبتها في المساهمة، تطالب أيضا هذه البلدان بقيام العالم المتقدم النمو بالمزيد. مثلا، لم تعطي البلدان المتقدمة النمو أية تفاصيل عن كيفية الوصول إلى هدف 100 مليار الخاص بالمساعدة المناخية خلال 2020 ولحد الآن، يبقى الصندوق الأخضر للمناخ بعيدا كل البعد عن هذا المبلغ. وإن لم تقدم الدول الغنية المزيد من الأموال، فقد تتوقف البلدان النامية كذلك عن المساهمة. ويجوز لأي هيئة دون وطنية متواجدة في بلد نام طلب الحصول على تمويل الصندوق الأخضر للمناخ وكذا مرفق البيئة العالمي عن طريق الهيئات المنفذة المعتمدة لديه، بما في ذلك الحكومات المحلية والمدن ومجموعات المجتمع المدني وقد قدم الصندوق فعلا اعتمادا لعدة منظمات، تشمل منظمة في السنغال تساعد في حماية الخطوط الساحلية، ومؤسسة في بيرو تدير المناطق المحمية مثل الغابات.
فمشكلة تغير المناخ ليست مشكلة علمية وسياسية واقتصادية فقط بل لها جانب اخلاقي في غاية الاهمية فالتكنولوجيا والمال مثلا من الممكن أن يعالجوا قضية تغير المناخ لكن المنهج الاخلاقي يحلها نهائياً!!!في قمة باريس سيكون لدى المجتمع الدولي بالفعل فرصة لإبرام اتفاق فعال وشامل يساهم في مكافحة مشكلة تغير المناخ. وأخيراً ، أري أن المفاوضات حول المناخ في باريس هي مجرد بداية لجهود متواصلة لمكافحة تغير المناخ لما بعد باريس.