" حتي لا ننسي" كلمة نالت حظا من الشهرة بتاريخ السويس، حين سجلها رجال المقاومة الشعبية والفدائيين علي أول عقار حطمتة مدافع ودانات الألوية الاسرائيلية الأربع حينما دخلت المدينة.  أرادوا لنا أن لا ننسي ذلك التاريخ، لكن يد الجهل حملت في ظاهرها التعمير وفي باطنها إخفاء معالم حصار 100 يوم ، قامت باعادة ترميم العقار مرة أخري "حتي ننسي".  لكن الأحفاد الذين ورثوا جينات المقاومة والتضحية تعلموا الدرس بالفطرة، فتركوا قسم الأربعين كما بتصميمه المعماري الذي يدل على قدمه، هو حتى يكون تذكارا للتاريخ وشاهدا على ثورة 25 يناير، حتى أن حملة تمرد وضعت لافتة مواجهة القسم، وسجلوا عليها أن ذلك القسم هو مقر الحملة، من باب أن يتعظ النظام الحالي وقبضته الأمنية من ممارسات سابقة ويروا النتيجة أمام أعينهم علهم أن يأخذوا العبرة.  قسم الأربعين القديم، أو "المحروق" كما يحب السوايسة أن يطلقوا عليه بعد الثورة، يقع على بعد بضعة أمتار من مسجد الأربعين وميدان الأربعين، وهو من أبرز الأماكن الشاهدة جغرافيا على الثورة بالسويس .  وأنشئ هذا القسم منذ أكثر من 95 عام، وكان ملجأ للأيتام تديره جمعية كانت تسمى آن ذلك "بالمواساه" وقام الملك فؤاد بافتتاحه فى سبتمبر عام 1929، وفى عام 1948 تم تحويله إلى مبنى لقسم الأربعين، ليبقى كما هو مملوكا لجمعية المواساه والتى طالبت أكثر من مره باسترداد المبنى والأرض التي أنشىء عليها.  لكن الغريب فى أمر هذا القسم، أنه يقع فى الحدود الفاصلة بين حي الأربعين وحي السويس لدرجة أنه إذا وقعت أى جريمة أو حادثة بشارع الجيش أمام القسم أو على أسواره أو داخلة أيضا فإن مباحث قسم السويس هى المسئولة عن التحري عنها والتحقيق فيها وليس مباحث قسم الأربعين.  وإذا كان موقعه الجغرافى بالنسبة لقلب المدينة غريب نسبيا فإن تاريخة نفسه متناقضا، ففي يوم الأربعاء 24 أكتوبر من عام 1973 الموافق 28 رمضان، تسللت القوات الإسرائيلية إلى السويس لحصارها فما كان من الفدائيين إلا أن ضربوا مركبات ودبابات العدو  بقذائف "الار. بى .جيه" وعطلوا تحرك لواء كامل، أربك طابور المدرعات، وتكدست أمام القسم عشرات المجنزرات، وخرج المئات من الجنود والأهالى إلى ميدان الأربعين فى مشهد مفاجئ ليطلقوا  النيران نحو الدبابات.  وأمام ذلك الهجوم العنيف أصدرت القيادة الاسرائيلة بمنطقة الزيتيات تعليمات للقوات بالاحتماء بأقرب منشأة، وهى قسم الأربعين الذي كان حينها عبارة عن مبنى من طابقين تحميه السواتر الترابية من كل جانب، وما أن تسللوا الى داخلة حتى حاصرهم الجنود المصريين وأفراد القاومة الشعبية، وادرك حينها قائد اللواء المدرع أنه لاجدوى من  المقاومه بعد أن خذلتهم القوات الأخرى بالخارج، بفضل حصار الجنود المصريين والفدائيين للقسم.  وهنا يلجأ لخيار الاستسلام فى مقابل الحفاظ على حياتهم، لكن طلقات النيران استمرت لأن كل المتواجدين خارج القسم يريدون تصفية القوات الاسرائيلية الموجودة داخله، بعدها يقرر أبطال المقاومة اقتحام القسم لتطهيره من دنس الاسرائيليين، فيسقط أول 3 شهداء فدائيين خلال محاولتهم اخلاء القسم، وكان أولهم إبراهيم سليمان الذي قفز إلى داخل القسم وأراد أن يلاقى العدو وجها لوجه فيلمحه قناص ويطلق عليه النار فيسقط أول شهيد على سور القسم خلال محاولته تطهيره وإخلاءه من العدو.  وعلى النقيض تماما يأتى شهد القسم فى جمعة الغضب 28 يناير، حين قرر الأحفاد حرقه  بقنابل المولوتوف بعد سقوط العديد من الشهداء أمام سور القسم بفعل طلقات رصاصات رجال الشرطة، وبعد أن اكتملت الصورة الوحشية للقسم فى رؤوسهم، فكان بالنسبة لهم كسجن البستيل فى فرنسا، بعد أن أصبح طرازه المعمارى أشبه بقلعة تعذيب لكل من يدخل القسم متهما كان أم بريئا، كما أن الضباط بداخله تميزوا بوحشية وعنف تشهد عليه جدران غرف القسم، فعلقوا، عربى عبد الباسط ،أحد الوجوه البارزة في ثورة السويس ، على أحد النوافذ وتركوه هكذا من مساء 25 حتى صباح اليوم التالي، مع مناوبة ضربه وتعذيبه لتلفيق تهم قتل المتظاهرين له. ولكل هذا وأكثر حرق الأحفاد القسم، لتبقى الآن مجرد مكان خرب حرص الذين كانوا يترددوا عليه بالقوة الجبرية قبل الثورة، وأن يسجلوا ذكرياتهم على حوائطه وجدرانه والتي أصبحت جدارية لسجلات التعذيب التي تمت على أيدي ضباطه ومخبريه. جدير بالذكر أن  قسم الأربعين أصبح الآن مزارا ومتحفا لأبناء المدينة، ولم يحضر إلى السويس غريبا بعد الثورة إلا وتوجه إلى القسم لزيارته ورؤية شاهد حقيقي على الثورة، وهناك دعاوى أطلقت بالسويس لتحويل القسم إلى متحف، لكن الحالة الفنية لبناية القسم وجدرانه لن تتحمل ذلك بعد أن أثرت عليها النيران .