الحديث عن تدخل عسكري أو مخابراتي في وسائل الإعلام ضد أثيوبيا يجب أن يتوقف فورا،‮ ‬لا أعني مجرد النطق به علنا ولكن التفكير فيه استمرار لنفس الخطأ الجسيم الذي بدأ أيام الرئيس السادات والذي كان نقطة تحول كارثية في العلاقات التاريخية بين مصر وأثيوبيا التي ما كان يجب أن تصل إلي المرحلة الغريبة،‮ ‬الخطيرة التي نمر بها الآن‮. ‬حتي مرحلة الرئيس جمال عبدالناصر كانت السياسة المصرية التاريخية المستمرة منذ العصر الفرعوني مستمرة والقائمة علي ضرورة احترام العلاقات وعدم المساس بها،‮ ‬كان عبدالناصر زعيما راديكاليا والامبراطور هيلا سلاسي محافظا ومع ذلك حرص عبدالناصر علي ابقاء الصلات بنفس القوة،‮ ‬واستقبال الامبراطور باحترام ومهابة خلال المرات التي زار فيها مصر‮. ‬بدأت العلاقات في الانحراف عن منطقها التاريخي عندما تغلبت مشاعر السادات المعادية للاشتراكية علي المصلحة القومية،‮ ‬بل المتصلة بحضور مصر وكيانها،‮ ‬العلاقة مع أثيوبيا مصيرية وعنصر أساسي في الأمن القومي،‮ ‬بل الوجود المصري،‮ ‬وهذه الحقيقة يجب أن تكون ماثلة في ذهن كل من له صلة بمقدرات هذا البلد،‮ ‬لأول مرة في التاريخ الممتد منذ آلاف السنين تصل العلاقات إلي نقطة حرجة دخلت فيها أطراف دولية وقوي مهيمنة،‮ ‬وهنا يحتاج الأمر إلي استنفار جميع امكانيات وطاقات مصر لمعالجة هذه المحنة،‮ ‬بدءا من ضرورة إعدة النظر في مسار العلاقات،‮ ‬ودراسة الآثار المترتبة علي بناء السد وصولا إلي ضرورة استنفار كل الامكانيات العلمية التي يجب أن تضع في حساباتها البدائل الممكنة لنقصان المياه،‮ ‬بعد استرداد سيناء ظهرت مشكلة طابا التي تتعلق بمساحة لا تزيد علي نصف كيلومتر من الأرض،‮ ‬استنفرت مصر أفضل ما فيها من علماء وخبراء في شتي المجالات،‮ ‬أما الآن فالمشكلة تتصل بحضور مصر نفسه‮. ‬الحديث علنا عن خطط عسكرية وحملات انتحار سياسي،‮ ‬اللجوء إلي القوة من الممكن افتراضه لكنه‮ ‬غير عملي في الظروف الحالية‮. ‬إننا في حاجة إلي خبراء،‮ ‬إلي علماء،‮ ‬إلي الحكماء،‮ ‬الموقف الآن لم نواجهه منذ نشوء الحضارة في هذا الوادي‮.‬