عالم ملئ بالأسرار الرهبنة حكايات العزلة والتجرد

«أنطونيوس الكبير»  -  القديس باخوميوس
«أنطونيوس الكبير» - القديس باخوميوس

القرن الثانى شهد ميلاد أول «ناسك».. و«النطرون» أقدم مكان للتعبد

كثيرا ما شغلنى اكتشاف هذا العالم الغامض، الذى يبدأ من الموت رغم أن من يختاره لايزال على قيد الحياة، ويعلن عن بدء حياة جديدة تخلو فيها الى نفسك، ليست عزلة أو اكتئابًا، ولكنها فرصة لتكتشف العالم من جديد من أجل تحقيق سمو روحانى والوصول بالنفس إلى أقصى درجات الإيمان.


قد تعيش بمفردك ويعتقد البعض أن الانطوائية نسجت الخيوط حول روحك ولكن فى الحقيقة هى أن روحك أرادت أن تتخلص من كل الشوائب العالقة فى الجسد، لكى تتخلص من الحقد والحسد والكره والبغض والغرائز والشهوات، وأرادت أن تذهب إلى أماكن أكثر رقى فى الزهد والتعبد والتأمل فى خلق الله.. هذه هى الرهبنة، لكن يجب لك أن تتساءل ما هى الرهبنة وما شروط الالتحاق بها، وكيف تم اكتشافها، ومن مؤسسها؟، أسئلة عديدة تدور فى ذهنك وتبحث عن إجابة عنها، لكن يظل السؤال الأهم هو كيف يموت الراهب عن العالم وهو على قيد الحياة؟.
«الأخبار» تغوص فى عالم الرهبنة والرهبان من خلال هذا الملف لكى تجيب عن كل هذه الأسئلة.

 أبو رهبان العالم.. مصرى

«أنطونيوس الكبير»اعتزل الناس ٥٤ عاما

وُلد القديس الانبا أنطونيوس الكبير فى «قمن العروس» ببنى سويف عام 251 م، وكانا والداه يتمتعان بالثروة، وعندما توفى والده وقف أمام الجثمان يتأمل زوال العالم، فالتهب قلبه نحو الأبدية، وقرر بيع ميراثه وتوزيعه على الفقراء ليتفرغ للعبادة ، وانصرف إلى النسك بجوار نهر النيل متأملاً فى ذاته، متدرباً على الصبر، عاش وحيداً أول الأمر وكان البدو يمرون به ويقدمون له بعض الخبز والبلح، ثم أخذ يعمل فى ضفر الخوص وبيعه ، وعام 285م توجه للبرية الداخلية وسكن مغارة على جبل القلزم بالبحر الأحمر، وقد اعتمد مبدأ التوحد فى الرهبنة الذى يقوم على اعتزال كل راهب بمفرده، ويطلق عليه لقب «أب الرهبان»، ويُعتبر مؤسس الرهبنة فى العالم، وعام 305 م اضطر أن يكسر خلوته ليلتقى بعض التلاميذ ويُدربهم على يديه ثم عاد لوحدته مرة أخرى.

القديس باخوميوس  «أب الشركة» مؤسس أول جماعة

القديس باخوميوس يعد أب نظام الشركة، لانه أول من شيد ديرًا يضم داخل أسواره جماعة رهبانية تعيش على أساس حياة الشراكة فى عبادتها وكل تصرفاتها، ولد القديس باخوميوس بالصعيد لوالدين وثنيين عام 292 م، وكان منذ طفولته غير راضٍ عن العبادة الوثنية، ولا يشترك فى ولائمها، والتحق بالجيش، وكان مع زملائه لقمع ثورة ضد الإمبراطور، وفى الطريق استراحوا عند مدينة (إسنا)، فجاء أهل المدينة يقدمون لهم طعامًا وشرابًا بسخاءٍ وفرحٍ، سأل باخوميوس عن سبب هذا الكرم، فقيل له إنهم يفعلون هذا من أجل إله السماء، وبعد صلاة طويلة قرر أن يصير مسيحيًا وعاد للقرية وبقى فيها 3 سنوات يمارس أعمال الخير، لكن قلبه كان يلتهب نحو التكريس للعبادة، وإذ سمع عن راهبٍ قديسٍ يسكن البرية يدعى «بلامون» انطلق إليه، وسأله أن يقبله تلميذًا له، أظهر له بلامون صعوبة الرهبنة، لكنه أمام ثبات قلب باخوميوس وافق، ويقال فى أحد الأيام كان يجمع حطبًا وظهر له ملاك طلب منه أن يقيم ديرًا، وأعطاه لوحًا به البنود الأساسية لنظام الشركة، فأسس أول دير له عام 318 م فى طبانسين بالقرب من بافو أو بابو، وارتفع عدد الرهبان فيه إلى 1500 راهب، وجاءته أخته فشجَّعها على الحياة الرهبانية، وأسس لها ديرًا ضمَّ 300 راهبة.