واشنطن تسحب قواتها من النيجر وتشاد.. و«الفيلق الأفريقى» يدعم الوجود الروسى

واشنطن تسحب قواتها من النيجر وتشاد.
واشنطن تسحب قواتها من النيجر وتشاد.

مع انتهاء الحقبة الاستعمارية، اتخذ التنافس الدولى على أفريقيا صبغة اقتصادية، وفى أحوال عديدة احتفظ الاستعمار القديم بمناطق نفوذه، رغم انتهاء وجوده العسكرى. غير أن ثروات القارة السمراء ظلت محل اهتمام الدول الكبرى. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من أبرز هذه القوى، حيث زاد اهتمامها بأفريقيا بعد أحداث 11 سبتمبر، وفق معايير جديدة، فقد أكد الرئيس الأمريكى جو بايدن على الالتزام حيال الشركاء الأفارقة بالانخراط فى بعض القضايا والأزمات السياسية، سعيا لاستعادة المكانة الإستراتيجية الأمريكية، إلا أن الآحداث التى تشهدها دول غرب أفريقيا هذه الفترة تشير إلى تراجع التواجد العسكرى الأمريكى، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية سحب قواتها الخاصة من تشاد فى الأيام المقبلة، ويعد هذا الأمر ثانى تراجع كبير خلال أسبوع واحد للنفوذ الأمريكى وسياسة مكافحة الإرهاب فى أفريقيا، بعد قرار سحب قواتها من النيجر، نتيجة موقف المجلس العسكرى الحاكم فى النيجر، قبل أسابيع، الذى أعلن إنهاء اتفاق التعاون العسكرى مع الولايات المتحدة.


وقد جاء هذا القرار بعد اجتماع أجرته «مولى فى» مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، وهى أكبر مسئولة فى وزارة الخارجية للشئون الأفريقية، مع كبار المسئولين فى النيجر فى ديسمبر الماضى، وذكرت جريدة «واشنطن بوست» أن مولى اعترفت بأنها لم تتقن كلماتها فى هذا الاجتماع، حيث حثت المجلس العسكرى فى النيجر على إعادة بناء علاقاته مع الدول الأخرى.. وشددت على أن المساعدات الأمريكية ستظل معلقة حتى تحدد النيجر جدولاً زمنياً لاستعادة الديمقراطية.. وتقول مولى: «لقد طرحنا اختياراً صارخاً وواضحاً قدر الإمكان».. ولكن خلال الشهرين اللذين أعقبا ذلك الاجتماع، تحركت النيجر إلى حد كبير فى الاتجاه المعاكس. ولم تعلن الحكومة بعد عن جدول زمنى لإجراء الانتخابات، كما خرجت من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بعد ما يقرب من 50 عاماً، إلى جانب مالى وبوركينا فاسو، وأنشأت تحالفها الخاص لدول الساحل، مما أدى إلى تعميق الصدع فى غرب أفريقيا بين الدول الثلاث وتلك التى يحكمها رؤساء منتخبون ديمقراطياً.التحولات التى تشهدها الساحة، جعلت مايكل لانجلي، الذى يرأس العمليات العسكرية الأمريكية فى أفريقيا يشعر بالقلق، ويقول: «إذا فقدنا بصمتنا فى منطقة الساحل، فإن ذلك سيقلل من قدرتنا على القيام بالمراقبة والتحذير النشط، بما فى ذلك الدفاع عن الوطن».. وأشار إلى أن تلك البلدان بدأت تشهد عنفا فى منطقة الساحل «ينتشر عبر حدودها». وذكرت صحيفة «وول ستريت» أن الولايات المتحدة تجرى محادثات أولية بشأن نشر طائرات استطلاع أمريكية بدون طيار بمطارات فى غانا وساحل العاج وبنين.. وقال جيه بيتر فام، المبعوث الأمريكى الخاص السابق لمنطقة الساحل، إن الولايات المتحدة عاجزة فى المفاوضات مع الدول الأفريقية، وخاصة تلك التى تديرها المجالس العسكرية، لأنها لا تستطيع تقديم أكبر قدر ممكن من الدعم الأمنى الذى تستطيع روسيا تقديمه.


من جانب آخر يبدو واضحًا أن روسيا تحقق تقدماً فى أفريقيا على المستويين السياسى والاستراتيجي، كما تواصل تحقيق مكاسب فى المنطقة، حيث جاءت زيارة «مولى فى» إلى النيجر مباشرة بعد توقيع نائب وزير الدفاع الروسى، يونس بك يفكوروف، على اتفاقيات أمنية جديدة مع المجلس العسكرى. وفى بوركينا فاسو، وصل خلال الشهرين الماضيين أكثر من 100 جندى روسى من الفيلق الأفريقى (خليفة مجموعة فاغنر) لضمان سلامة رئيس البلاد والتصدى للهجمات الإرهابية، ومن المقرر وصول 200 عسكرى روسى آخرين لهذا البلد. ويقدر المحللون أن أكثر من 1000 جندى روسى من «الفيلق الأفريقى» يقاتلون إلى جانب قوات مالى ضد الانفصاليين والمتطرفين الإسلاميين.. رغم عدم وجود مواجهة مباشرة، إلا أن تطورات الأحداث تشير إلى فقدان واشنطن لنفوذها العسكرى فى أفريقيا، مقابل تمدد نفوذ موسكو. فهل يعد انسحاب الجنود الأمريكيين من بعض مناطق النفوذ نقطة تحول، أم مجرد سحابة صيف عابرة؟ خاصة مع إعلان أن الانسحاب من تشاد.. مؤقت.
 ريهام نبيل