خارج النص

تحية متجددة للرجال

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

أعظم ما فى التاريخ أنه يمنحك الفرصة لقراءة أعمق للواقع.

ولا أعتقد أن ما جرى على أرض مصر منذ 50 عامًا وما بعدها صار تاريخًا، بل إن ما يجرى فى إقليمنا ومن حوله يجعل مدارسة ذلك الماضى واستيعابه ضرورة لا غنى عنها.

اليوم، نحتفل بالذكرى 42 لتحرير سيناء الحبيبة، تلك الأرض التى كانت ولا تزال ميدانا للبطولات، وساحة لصناعة التاريخ قديمه وحديثه.

واستعادة تلك الذكرى أمر يتجاوز مجرد اعتباره احتفالًا سنويًا، أو مناسبة لاستعادة شموخ وقيمة تلك اللحظة، رغم أهمية ذلك فى كل الأحوال.

الاحتفال بذكرى تحرير سيناء يكتسب اليوم أهمية مضاعفة، ودلالات لا ينبغى أن تغيب عن كل ذى عقل وبصيرة، فتحرير سيناء كان دليلًا على قدرة الدولة المصرية على تحقيق أهدافها، باستخدام كل ما أتيح لها من أدوات، فحاربت عندما كانت الحرب قدرًا محتومًا لتحرير الأرض وصون العِرض، وفتحت باب السلام من موقف القوة عندما أدركت أنه الطريق الأنسب لتحقيق الهدف.

أرست الدولة المصرية فى لحظة تحرير سيناء، ثوابت ومبادئ لا تزال راسخة فى بنيان السياسة المصرية العريقة، أولها ضمان السيادة المصرية الكاملة على كافة أراضيها، والتمسك برفض الأحلاف والتبعية، فخلت أرضها ـ ولا تزال - من أية قواعد أجنبية، وقادت - ولا تزال - سياسة متوازنة، تعتمد على صناعة الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى، فى منطقة قدرها دائمًا أن تكون فى قلب العواصف والأنواء.

اليوم، لا نستعيد فقط ذكرى الشهداء من الأبطال الذين صنعوا المجد باقتحامهم النار واندفاعهم فى قلب الموت طلبًا لحياة الوطن، ولا نكتفى بالتحية لمن عاش منهم مناضلًا فى ميادين الحياة، بانيًا لوطنه، مشاركًا فى نهضته بعدما أدى واجبه فى ميدان الشرف العسكرى، لكننا نوجه تحية واجبة لكل مصرى ومصرية، يدركون قيمة هذا الوطن، ويحافظون عليه بكل ما أوتوا من قوة، يعملون من أجله، ويربون أبناءهم على القيم والمبادئ الوطنية، ويخشون على بلدهم من غوائل الدهر وحملات الاستهداف.

عندما نحتفى اليوم بذكرى تحرير سيناء، نمد عينًا نحو الماضى القريب، نتذكر كيف استجاب الجيش المصرى العظيم للتحدى، وكيف أثبت جنوده البواسل أنهم صناع التاريخ عبر آلاف السنين، وكانوا امتدادًا للجيوش التى انطلقت من أرض الكنانة لتصون استقلال الوطن ومصالحه، ووقفت ببسالة تسجلها صفحات التاريخ، ضد كل محتل غاصب، أو طامع غاشم، أو متآمر غادر.

أما العين الثانية فنرصد بها ما يجرى من حولنا من تحديات جسام، فى إقليم يقف على أطراف أصابعه، بأعصاب متوترة، وأصابع مشدودة بقلق نحو الزناد فيما تقف المنطقة على حافة خطر حقيقى وانفجار غير محسوب العواقب.

وهنا تأتى أهمية الأصوات العاقلة والسياسات الرشيدة التى تجسدها مصر، فالسياسة المصرية الهادئة والواعية التى يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى، والخطاب المتزن الذى يعكسه أداء مؤسسات الدولة فى مواجهة أزمات المنطقة، لا يمثل مصلحة مصرية فحسب، بل صار مصلحة وضرورة إقليمية ودولية، فى وقت يندر فيه العقلاء وسط محيط من الاندفاع والجنون.

وذكرى تحرير سيناء دليل حى على ذلك ودرس كبير ومفتوح لمن يريد أن يعرف قدرة الدولة المصرية على تحقيق أهدافها، وتوظيف أدواتها، وتأكيد على أن من حرروا سيناء بالسلاح، وطهروها بالسياسة، وعمروها بالتنمية، قادرون ـ دون أدنى شك - على الحفاظ عليها، فى مواجهة أطماع ومشاريع خبيثة لا تزال تعشش فى عقول خربة، لا ترى إلا من منظور ضيق لا يقود سوى إلى الأزمات والخراب!!

مصر التى قاتلت لتحرير سيناء، وكافحت على مدى سنوات لتطهير أرض الفيروز من الإرهاب بتضحيات لا تُنسى من خيرة رجال هذا الوطن، وعمّرتها بأيادى الآلاف من جنود العمران والتنمية، تقدم اليوم دليلًا حيًا على أنها تعرف طريقها جيدًا، وتتحرك عليه بخطى ثابتة نحو بناء قدراتها الشاملة، كدولة صانعة للسلام، وداعية إليه، وقادرة على فرضه.