د. إلهام سيف الدولة حمدان تكتب: مُتحف الفنون الشعبية والحفاظ على الهوية الوطنية

د. إلهام سيف الدولة حمدان
د. إلهام سيف الدولة حمدان

■ بقلم: د. إلهام سيف الدولة حمدان

تُرى .. كم من الذين يحيطون بنا في المسكن والعمل والنادي والكافيتريا؛ وزملاء رحلة الصباح والمساء في المواصلات العامة والخاصة؛  يعلمون بوجود العديد من كنوز الفن الشعبي وتراثه المصري الأصيل؛ على مرمي البصر وفي متناول أصابعنا ؟  

ويندلع في ذهني هذا السؤال؛ لثقتي بأنه يجب على جميع المصريين أهمية الالتفات إلى الاطلاع على هذا التراث ؛ لا لمجرد “ الفُرجة” بالتعبير العامي الدارج؛ ولكن للتأكيد على مدى انعكاس هذا التراث الخالد على مفاهيم وسلوك العقل الجمعي في مصرنا المحروسة حتى لمن لم يشاهد هذا التراث في مُتحف الفنون الشعبية؛ هذا المُتحف الذي حرص أساتذة ورواد دراسات الفنون الشعبية على إنشائه منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي؛ ليحافظوا على “ذاكرة الأمة” من الضياع والنسيان .

وقبل أن نعرُج على أثر وتأثير هذا التراث في العقل الجمعي المصري وتوجهاته الوطنية؛ أود الإشارة المختصرة إلى تاريخ تأسيس هذا المُتحف الذي يضم بين جنباته تلك الكنوز التي أفرزها المجتمع المصري عبر تاريخه الطويل :

“يُعد متحف الفنون الشعبية هو احد أقسام “مركز دراسات الفنون الشعبية” الذي تأسس في العام 1957؛ واستمر تواجده مع المركز في “شارع التوفيقية وسط القاهرة” ؛ حتى تم نقل المُمتحف ومقتنياته إلى مبنى مستقل أمام المركز؛ وافتتح في أكتوبرعام 2020 بالأرض الجديدة باكاديمية الفنون؛ ويضم المُتحف مقتنيات التراث الشعبي المصري التي قام باحثو التراث بجمعها منذ العام 1957 حتى الآن؛ ومن هذه المقتنيات بعض الأزياء الشعبية والحُلي ومقتنيات الحِرف الشعبية كالفخار والنجارة والزجاج والنحاس والكليم والآلات الموسيقية؛ وكل المُنتج الإنساني على أرض مصر وربوعها؛ فضلاً عن الموضوعات الجديدة التي تم إضافتها بالمبنى الجديد؛ وهي التي تعكس محاكاة بعض مظاهر التراث الشعبي مثل: فولكلور البحر، المقهى البلدي، الخيمة البدوية، السوق الشعبي، زفة المحمل ، أضرحة الأولياء، رحلة العائلة المقدسة، ورش الحِرف، الفُرن البلدي ... إلخ”.

والمُتحف على هذا النحو يتسع للكثير من عناصر التراث الشعبي؛ فضلاً عن قاعات أخرى للخدمات الآتية بالمتحف : قاعة سينما، مكتبة ، قاعة تدريب الأطفال، قاعة للترميم، قاعة للوسائط المتعددة، التوثيق  .

لهذا أقول : إن العقل الجمعي المصري في حاجة دائمة إلى تنشيط وشحذ الذاكرة ؛  وبخاصة في هذا التوقيت الذي يدعو فيه الرئيس السيسي إلى “ الحوار الوطني “ بين فصائل المجتمع كافة ؛ وحتى تتاح الفرصة لكل من يريد أن يدلي بدلوه في هذا البئر العميق للحوار؛ وحتى تخرج النتائج بإيجاد الحلول “ الزلال “ ؛ من أجل مواجهة المشاكل المزمنة داخل المجتمع؛ نتيجة ماحدث من تجريف مقصود  طوال عقود ؛ غاب فيها الوعي عن أهمية الفنون -  بوجه عام - عن مواكبة التطور والتحديث الذي طرأ على البنية التحتية والفوفية للمجتمع .

إننا بنظرة محايدة صادقة وأمينة؛ لما يحدث على الساحة الفنية - وبخاصة في ساحة الغناء - والمقارنة الواعية بين مانحن فيه؛ وما كنا عليه من احترام للقيم والمبادئ التي تربينا عليها منذ نعومة أظفارنا؛  وطال هذا الهراء - بصرف النظر عن الكلمات والمعاني الهزيلة المتداولة والمعجونة بثقافة الحواري الخلفية في قاع المجتمع - أشكال الملابس “ المتأوربة” ؛ والتي لاتحمل النذر اليسير من تراثنا وتقاليدنا العتيقة .

قد يبدو الحديث عن “ الأغنية “ وتأثيرها على المجتمع - وبخاصة النشء - غريبا! ولكني أؤكد بما لا يدع مجالا للشك ؛ أن تأثير الأغنية على الوجظان الشعبي ؛ أشد خطراً وأعمق تأثيرا من “ المخدرات “؛ فهي تعمل على “ تغييب العقل الجمعي “ وفقدانه سلوك الدروب السليمة والقويمة؛ لحماية جدران بنيان المجتمع من الانهيار؛. والانصياع لما يديره لنا أعداء الوطن من كل النوعيات التي لاتريد الخير والتقدم لهذا الوطن العظيم .

إنني أدعو من منبري هذا - جموع المصريين الحريصين على  الحفاظ على النقاء والبهاء والهوية الوطنية؛ الإسراع في زيارة هذا الصرح الذي شيده عمالقة رواد الفن الشعبي؛  ودعوة طلاب الجامعات والمدارس وعمال المصانع ؛ وليكون في استقبالهم مرشدين أكفاء؛ لشرح وتبيان ماقد يصعب فهمه من رموز شعبية ؛ والعمل على صناعة “ نماذج ولوحات” من التراث ؛ وطرحها للبيع بثمن يكون في متناول الجميع؛ وتجدر الإشارة إلى وجود العديد من اللوحات الجدارية التي تصنع بصمة البهجة على أجواء المكان ؛ تلك اللوحات الجدارية التي  تمثل مختلف الأنشطة المجتمعية في الأسواق العامة ؛ لتشعر وكأنك تعيش في سالف الزمان بين جموع البسطاء من المصريين أصحاب الحرف التي اندثر البعض منها؛  والأنشطة الاجتماعية مثل حفلات الزفاف والطهور؛ و مظاهر الاحتفال ب “ موالد” العارفين بالله من شيوخ الطرق الصوفية؛ ومظاهر الملابس المزركشة لمريديهم وأحبابهم . 

وما المانع أن يتم “ استنساخ “ تلك اللوحات الجدارية بطرق التكنولوجيا الحديثة؛  وطباعة كتيبات تشرح سيكولوجية خطوط الفنانين في تلك اللوحات الجدارية؛  وبيع تلك المستنسخات للجمهور ؛ أو كهدايا لكبار الزائرين الذين يكتبون رأيهم في دفتر الزيارات ؛  الذي يُعد لتلك المناسبات ؛. ليكون هذا سجلا للأجيال الصاعدة في المستقبل .

وبهذا نستطيع أن نحصل على “ موارد” للإنفاق على هذا المتحف الفريد في نوعه على الساحة المصرية .

;