«الجزويت» مرة أخرى.. خطة للاستعادة

يحيى وجدى
يحيى وجدى

يحيى‭ ‬وجدى

حتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬تواصل‭ ‬تحقيقاتها‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬حريق‭ ‬مسرح‭ ‬ناصيبيان‭ ‬التابع‭ ‬لجمعية‭ ‬النهضة‭ ‬للفنون‭ ‬والثقافة‭ ‬“جزويت‭ ‬القاهرة”،‭ ‬ولم‭ ‬تفصح‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬رسمية‭ ‬عما‭ ‬أدى‭ ‬لوقوع‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬31‭ ‬أكتوبر،‭ ‬والتي‭ ‬أودت‭ ‬بواحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المسارح‭ ‬المستقلة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬الفنية‭ ‬والثقافية‭ ‬لعموم‭ ‬الجماهير‭.‬

وحتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬المسرح‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أكوام‭ ‬من‭ ‬الفحم‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬فضاء‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬شارع‭ ‬المهراني‭ ‬بحي‭ ‬الفجالة،‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬الحريق‭ ‬خشبة‭ ‬عرض،‭ ‬ومقاعد‭ ‬للجمهور،‭ ‬ومدرجات،‭ ‬وأجهزة‭ ‬صوت‭ ‬وإضاءة،‭ ‬والأهم‭ ‬حالة‭ ‬فنية‭ ‬قلما‭ ‬تتوافر‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المؤسسات‭ ‬الكبرى‭ ‬سواء‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬الأجنبية‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬أن‭ ‬كارثة‭ ‬الحريق‭ ‬جاءت‭ ‬لتقصم‭ ‬ظهر‭ ‬الجزويت،‭ ‬فقبل‭ ‬نحو‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬الحادث‭ ‬أقامت‭ ‬الجمعية‭ ‬يوما‭ ‬احتفاليا‭ ‬بنشاطها‭ ‬في‭ ‬فناء‭ ‬مدرسة‭ ‬العائلة‭ ‬المقدسة،‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬جمع‭ ‬التبرعات‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬لدعم‭ ‬نشاط‭ ‬الجمعية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬أعلنت‭ ‬عنها‭ ‬بشفافية‭ ‬طالبة‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬مساعدتها‭ ‬في‭ ‬تجاوزها،‭ ‬ثم‭ ‬وقع‭ ‬الحادث‭ ‬الذي‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ -‬إذا‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬المصائب‭ ‬وجوها‭ ‬إيجابية‭- ‬باعثا‭ ‬حقيقيا‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬المستقلة،‭ ‬التي‭ ‬تساهم‭ ‬بدور‭ ‬تنويري‭ ‬وثقافي‭ ‬وفني‭ ‬عظيم،‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه‭.‬

وفي‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬زارت‭ ‬الدكتورة‭ ‬إيناس‭ ‬عبد‭ ‬الدايم‭ ‬وزيرة‭ ‬الثقافة‭ ‬مقر‭ ‬الجمعية،‭ ‬وبصحبتها‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬القطاعات‭ ‬بالوزارة،‭ ‬وكانت‭ ‬الوزيرة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬للوزارة‭ ‬تقديمه‭ ‬وهو‭ ‬كثير‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وكانت‭ ‬زيارتها‭ ‬مبادرة‭ ‬مشكورة‭ ‬منها،‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬ستشجع‭ ‬الكثيرين‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬والمساندة‭ ‬والدعم‭ ‬للجزويت‭.‬

أقول‭ ‬إن‭ ‬رسائل‭ ‬الدعم‭ ‬للجزويت‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الحريق،‭ ‬لم‭ ‬تتوقف،‭ ‬وزيارات‭ ‬وفود‭ ‬الفنانين‭ ‬والمثقفين‭ ‬على‭ ‬اختلافاتهم‭ ‬لم‭ ‬تنته،‭ ‬والاتصالات‭ ‬بفريق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الجزويت‭ ‬لم‭ ‬تنقطع،‭ ‬وتلقت‭ ‬الجمعية‭ ‬تبرعات‭ ‬مالية‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬المسرح‭ ‬من‭ ‬المثقف‭ ‬الكبير‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬أبو‭ ‬الغار،‭ ‬والمنتج‭ ‬جابي‭ ‬خوري،‭ ‬كما‭ ‬رد‭ ‬نقيب‭ ‬السينمائيين‭ ‬مسعد‭ ‬فودة‭ ‬مصروفات‭ ‬التحاق‭ ‬خريجي‭ ‬مدرسة‭ ‬الجزويت‭ ‬بنقابة‭ ‬المهن‭ ‬السينمائية،‭ ‬كتبرع‭ ‬مالي‭ ‬من‭ ‬النقابة‭ ‬لجمعية‭ ‬النهضة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬المكان‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مبادرات‭ ‬عديدة‭ ‬رائعة،‭ ‬منها‭ ‬تبرع‭ ‬فنانين‭ ‬بقيمة‭ ‬بيع‭ ‬لوحاتهم،‭ ‬وتبرعات‭ ‬فرق‭ ‬غنائية‭ ‬بمردود‭ ‬بيع‭ ‬تذاكر‭ ‬حفلاتهم،‭ ‬كما‭ ‬زار‭ ‬الشاعر‭ ‬الغنائي‭ ‬والسيناريست‭ ‬الدكتور‭ ‬مدحت‭ ‬العدل‭ ‬مقر‭ ‬الجزويت‭ ‬أيضا،‭ ‬وقدم‭ ‬للأب‭ ‬وليم‭ ‬سيدهم‭ ‬اليسوعي‭ ‬وفريق‭ ‬العمل،‭ ‬مبادرات‭ ‬مهمة‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬مردودها‭ ‬النوعي‭ ‬والفارق‭ ‬في‭ ‬ملحمة‭ ‬استعادة‭ ‬المسرح‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬مازال‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬العظيمة،‭ ‬والمسرح‭ ‬أو‭ ‬بقاياه‭ ‬المتفحمة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التضامن‭ ‬الكبير‭ ‬والمشاعر‭ ‬الرائعة‭ ‬على‭ ‬نبل‭ ‬مقاصدها،‭ ‬لا‭ ‬تشيد‭ ‬وحدها‭ ‬مبنى‭ ‬ولا‭ ‬تقيم‭ ‬هيكلا‭.‬

إن‭ ‬تكلفة‭ ‬مسرح‭ ‬الجزويت‭ ‬بكل‭ ‬مشتملاته‭ ‬كما‭ ‬قدرها‭ ‬العاملون‭ ‬به‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬جنيه،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬التعويم،‭ ‬وهذا‭ ‬معناه‭ ‬وبحسبة‭ ‬عادية‭ ‬أن‭ ‬التكلفة‭ ‬تبلغ‭ ‬الآن‭ ‬ضعف‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭.. ‬أقل‭ ‬كثيرا‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬قليلا،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الحالية‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬التبرع‭ ‬بما‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬جنيه،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإنني‭ ‬هنا‭ ‬أقترح‭ ‬برنامج‭ ‬بخطة‭ ‬زمنية‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬كبرى‭ ‬الشركات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجالات‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬تتقاطع‭ ‬فيها‭ ‬متطلبات‭ ‬بناء‭ ‬المسرح،‭ ‬وذلك‭ ‬بأن‭ ‬تتقدم‭ ‬شركة‭ ‬مثل‭ ‬أوراسكوم‭ ‬أو‭ ‬شركة‭ ‬الإسماعيلية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬البلد،‭ ‬بالتبرع‭ ‬بإعادة‭ ‬تشييد‭ ‬مبنى‭ ‬المسرح‭ ‬المحترق،‭ ‬ولديها‭ ‬المهندسين‭ ‬والعمال‭ ‬والمواد‭ ‬اللازمة،‭ ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬سيكلف‭ ‬الشركات‭ ‬كثيرا،‭ ‬وقد‭ ‬شاهدنا‭ ‬جميعا‭ ‬الإنجاز‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬بإعادة‭ ‬بناء‭ ‬قاعة‭ ‬الاحتفالات‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬الجونة‭ ‬السينمائي‭ ‬بعد‭ ‬احتراقها‭ ‬ليلة‭ ‬افتتاح‭ ‬المهرجان،‭ ‬وأن‭ ‬تتبرع‭ ‬شركة‭ ‬مثل‭ ‬السويدي‭ ‬بكابلات‭ ‬الكهرباء‭ ‬وعناصر‭ ‬الإضاءة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬وتتبرع‭ ‬شركة‭ ‬مثل‭ ‬توشيبا‭ ‬العربي‭ ‬بأجهزة‭ ‬التكييف‭ ‬وشاشات‭ ‬العرض،‭ ‬لتتبقى‭ ‬أجهزة‭ ‬الصوت‭ ‬والعناصر‭ ‬اللوجستية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهنا‭ ‬بإمكان‭ ‬البنوك‭ ‬المصرية‭ ‬والأجنبية‭ ‬أن‭ ‬تبادر‭ ‬بشراءها‭ ‬وتقديمها‭ ‬لمسرح‭ ‬الجزويت‭..‬

الوقت‭ ‬يمر،‭ ‬وأخشى‭ ‬أن‭ ‬تتعطل،‭ ‬تحت‭ ‬أطنان‭ ‬الكلام‭ ‬وعبارات‭ ‬الدعم‭ ‬والأسى،‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬الفني‭ ‬والثقافي‭ ‬والتعليمي‭ ‬أيضا،‭ ‬وما‭ ‬أرجوه‭ ‬حقا،‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬وقد‭ ‬أعيد‭ ‬مسرح‭ ‬ناصيبيان‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬وأحسن،‭ ‬وأن‭ ‬يعود‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬صوت‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬وزحام‭ ‬الجمهور‭ ‬إلى‭ ‬شارع‭ ‬المهراني‭.‬