أمــنيــة

أمى وحبيبتى

محمد سعد
محمد سعد

عاد نوفمبر، ليحمل بين طياته ذكريات تعتصر القلب ألما وكمدا، ويظل هكذا حتى اصل الى الليلة الحزينة التى قررت فيها دون إرادة منك ان تفارقيني، لكنى أتذكر حتى الان آخر لقاء وآخر مرة تلاقت العيون وتعانقت القلوب الموجوعة، طلبت منى ألا تفارقنى الابتسامة ووعدتها أن أبتسم، لأنى تعلمت منها التحدى ومواجهة الصعاب والثقة بالنفس وعدم الالتفات للإحباط والطموح والإصرار على الوصول إلى الهدف، امرتنى ان اهتدى بها وأن ابحث عن المرأة التى تشبهها فى تفصيلها حتى اهتديت إليها بعد مشوار طويل وبضع سنين.


لكن بعد كل هذا العمر الطويل، اسأل نفسي، ماذا تعنى الحياة بدونها؟، وماذا يساوى النجاح طالما لا تلمسه؟

و لماذا تقسو الدنيا على طريقنا؟ وكم هى ضغوطات الزمن التى غربتنا عن أنفسنا وكم هى المشكلات التى جعلتنا نخطئ فى أسمائنا، هل ستستوعب روحك زحمة الزمن الذى يطيح فى كل لحظة بأى وعد أو عهد أو اتفاق؟، وكم هم البشر الراغبون فى هزيمتنا والمنتظرون لسقوطنا والفرحون بما يمكن أن نصل إليه من انكسار؟


ومع تزايد ساعات البعاد يعتصر القلب أملا فى نسمة من نسمات الطيف تحمل معها رسالة تحكى ما حدث، باتت الساعات أشبه بسلحفاة لا تستطيع حتى السير وباتت تفاصيل الحياة اليومية المنشورة والمعلنة ما هى إلا رسالة فرضها علينا الواقع الاجتماعى لنخبر عالمنا الفوضوى الذى لا يهمه إلا إخبار عما نؤديه من أدوار، لكن هل يعلم الكل ما يدور بمحيط صدورنا، لا والله، فما بداخلك لا يهم إلا نفسك،  والمحيطون فقط يتندرون ويحسدون ويتمنون دون أن يعلم أحد معنى مرارة الحلق وآلام الفراق ومفهوم الاطمئنان.


لكن لا تبالى يا امى ودعينى اخبرك عن حبيبتى ومن تكون واسمحى لى ان اتحدث اليها فى حضرتك واقول، انت القلب البرىء فى تفاصيله الذى أدين له طيلة حياتى ، ونهر العطاء الذى لا تلوثه معايير الحياة ، كنت تنأين بتفاصيل كبريائك لأنك المتفردة، فى حبها عظمة وفى احترامها شموخا وفى طموحها تحديا وفى إخلاصها نموذجا، كلماتها عهد وما يخرج من حوارها وعد، هى غدا الذى تبحث عنه البشرية ليعيش فيه سكان الأرض بالمدينة الفاضلة، وهى اليوم بتفاصيله النقية فقط البعيدة عن شوائب الأحقاد والنفوس الضعيفة، هى الماضى الجميل والمستقبل الذى ينتظره كل أمير.


 هى الاستثنائية ذاك الملاك الفيروزى فى كل صفاته ، والمجرة التى تحوى كل الأقمار فى مدارها، صفحة وجهها كبياض لون القمر فى اكتماله، وسيدة العدل فى يدها النقية التى رمزت إليها العدالة بامرأة معصوبة العينين تحمل ميزاناً وسيفا ، فالميزان هو عدلها والسيف هو دفاعها وتمسكها بالمبادئ، هى الأسطورة فى تفاصيلها اليومية، والاستثنائية فى خلقها والمهنية فى عملها والمتفوقة فى مجالها هى فقط ملكة الروح فى جمالها.


تجمعنى بكِ كل علوم الطاقة الجاذبة للعواطف والمشاعر، ورغم طول الأيام تشدنى إليكِ حضرة الصوفية فى أذكارهم وهم يرددون «ما نسعى إليه يأتينا» وقتها سأقف فى طابور حضرتهم وأذكارها لأعلن أننى لن أتوقف عن السعى إلى ديارك، وشد الرحال إلى بلادك.