حوار| أحمد عمر هاشم : الضرب بيد من حديد على محتكري السلع

د.أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء
د.أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء

 

◄| الخطبة المكتوبة تقضي على الإبداع .. والداعية يجب أن يكون قدوة

◄| الشائعات سلاح الفتنة .. وعلي الدولة والشعب مواجهتها

◄| الأزهر صاحب الكلمة الأولي والأخيرة في أمور الدين والدعوة

◄| علي التجار ان يعلموا أن أمامهم يوما يحاسبون فيه

 

مازال تجديد الخطاب الدينى موضع نقاش بين علماء الدين، كما فرضت الخطبة المكتوبة نفسها على سطح الأحداث وخلقت خلافات بين الأزهر ووزارة الأوقاف التى تملك المساجد وتشرف عليها.. حول هذه القضايا المهمة وقضايا أخرى.
 حاورت «بوابة أخبار اليوم» د.أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، الذى طرح آراء صريحة وبناءة فى العديد مما يمس حياة المواطنين.. وإلى نص الحوار 


< ما رأيكم فى الخلاف القائم بين الأوقاف والأزهر بسبب خطبة الجمعة المكتوبة؟.
ــ المفروض ألا يقيد الإمام فى المسجد بكلمات مكتوبة من فكر غيره، وكلمات تفرض فرضا عليه.. فالخطبة المكتوبة من عيوبها أن الإمام سيعتمد عليها فلا يقرأ ولا يجهز خطبته التى سيلقيها، ويكتفى بورقة مكتوبة يقرأها، فلا يطلع ولا يزيد محصوله العلمى، هذا أولا.. وثانيا: ستفرض عليه الخطبة المكتوبة موضوعا، والمفروض أن الناس فى كل زمان وفى كل مكان يحتاجون إلى فكر جديد وإلى توجيه، وكما قال علماء البلاغة: مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فأين مطابقة الكلام لمقتضى الحال هنا فى هذه الورقة المكتوبة للإمام والمفروضة على الناس؟.. والأزهر رفض الخطبة المكتوبة شكلا وموضوعا، وهيئة كبار العلماء بالأزهر بالإجماع لم يوافقوا عليها، ولم يعد أحد يخطب من ورقة لا فى الأوقاف ولا فى غيرها.
لا خلاف
< ماذا تقولون لكل من الأزهر والأوقاف بسبب الخلاف القائم بينهما منذ حوالى عامين؟.
 ــ أنا لا أظن أن اختلاف الرأى يفسد للود قضية، وإذا كانت هناك وجهات نظر، فالمفروض أن تنحو منحى الإخلاص للدعوة وللدين وللوطن، والأزهر يقوم بهذه الدعوة، ووزارة الأوقاف فيما أعلم أنها رضيت بما قاله الأزهر واقتنعت على حد علمى والله أعلم.
< نريد منكم القول الفصل فى قضية تجديد الخطاب الدينى؟
ــ تجديد الخطاب الدينى معناه ليس تجديد الكلام ولا الموضوعات ولا الأحكام.. فالقرآن والسُّنَّة ثابتان إلى يوم الدين، والأحكام الفقهية هى الأحكام الفقهية، ولكن تجديد الخطاب الدينى معناه أن هناك أمورا استجدت على الساحة وتستوجب أن يسلط عليها الضوء ويبين حكم الشرع فيها، وهناك أمور لم تكن موجودة، يعنى المقصود الاجتهاد، وهو ما أكده الإمام أبوحامد الغزالى فى كتابة النفيس (إحياء علوم الدين).. وأنا لى كتاب عن الخطاب الدينى صدر عام ٢٠٠٦ وضحت فيه مفهوم الخطاب الدينى وخصائصه ومادته وآلياته، وأننا فعلا نحتاج تجديدا فمفهوم التجديد والتحديث، ولايعنى تغيير مصدر الدين وأصوله، وإنما يعنى دراسة ما استجد واستحدث على الساحة من قضايا وإيجاد الرؤية الدينية الصحيحة والمناسبة كما قال الأئمة، حيث تكون المصلحة، فثم شرع الله.. وكان للإمام الشافعى رضى الله عنه مذهبه القديم، حيث كان فى العراق، فلما جاء إلى مصر كان له مذهبه الجديد.
فالتجديد لا يتنافى مع الشرع والدين، بل كما قال الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها».
ولا شك أن تحديث أو تجديد الخطاب الدينى يتطلب التجديد بلغة العصر ويخاطب كل مجتمع بما يفهم وبما يحتاج إليه،  والتجديد بلغات العالم لنشر تعاليم الإسلام فى كل ربوع الدنيا لأنه دين عالمى، لابد أن يتمثل القائمون بالخطاب الدينى، مفاهيمه وقيمه وأن يطبقوه على أنفسهم قبل غيرهم ليكونوا القدوة، وعلى جميع المؤسسات الإسلامية فى عالمنا أن يكونوا فى تواصل ولقاء عالمى يتم من خلاله طرح المشاكل والقضايا التى تحتاج إلى آراء المجتهدين، وعلى القائمين بالخطاب الدينى ألا يتعصبوا لرأى دون رأى أو ضد رأى آخر، بل عليهم أن يتسموا بالسماحة واليسر وعدم التضييق يقول الله تعالي: «.. وَمَا جَعَلَ عَليْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرجْ..».
وتجديد الخطاب الدينى هو إحياء ما درس من تعاليمه، وبيان ما استجد واستحدث من ظواهر وقضايا تحتاج إلى إيضاح الخطاب الدينى لها، خاصة التى لم تكن موجودة فى العصور الأولى، فيقاس ما لم يرد بشأنه نَص على ما ورد بشأنه نَص، وأن نستثمر الآليات الحديثة فى نشره وأن يقوم أهل العلم والاجتهاد بإبراز الحقائق الدينية السمحة والأحكام الفقهية للأمور المستحدثة.
أما الأسس التى بنى عليها الخطاب الدينى، فهى ما حدده القرآن الكريم حين خاطب الله رسوله محمداً «صلى الله عليه وسلم» بقوله: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» ومن هذه الأسس انطلاق الخطاب الدينى من التوجيه الربانى وهو القرآن الكريم، والتوجيه النبوى من السُّنَّة الشريفة، وعليه أيضا كما يخاطب المسلمين يخاطب أيضا غير المسلمين، كما جاء فى القرآن الكريم: «قل يا أيها النَّاسُ إنى رسول الله إليكم جميعاً».. بل أمر الله رسوله «صلى الله عليه وسلم» بالتوجه للكافرين بالخطاب، حيث قال الله تعالي: «قُل يا أيها الكافِرون ، لا أعبدُ ما تَعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابدٌ ما عبدّتُم ، ولا أنتم عابدونَ ما أعبد ، لكم دينُكم وليَ دين» وأن يتسم بالسماحة والرحمة والرفق والبعد عن التشدد والعنف، فما كان الرفق فى الشىء إلا زانه ولا نُزع من شىء إلا شانه.
صاحب الكلمة
< أليس من الأفضل من أجل تجديد خطاب دينى صحيح أن يتحد الأزهر والأوقاف والإفتاء والتربية والتعليم؟.
ــ الدستور ينص على أن الأزهر هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى أمور الدين وأمور الدعوة الإسلامية.. والأزهر فيه هيئة كبار العلماء وفيه مجمع البحوث الإسلامية وهو يمثل المرجعية الدينية عبر العصور لأكثر من ألف عام، فيجب على كل الهيئات: وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، والتربية والتعليم، والتعليم العالى وسائر الدوائر العلمية والجامعات، أن تستجيب للقول الحق الذى يقوله الأزهر والذى يراه، ليس المقصود فردا وإنما الأزهر كله..أما بالنسبة للتربية والتعليم فدورها تنشئة النشء منذ نعومة أظافرهم على مناهج تعليمية تربوية وسيطة فينبغى أن يكون بينها وبين الأزهر وفاق وتعاون من خلال انتدابها بعض أعضاء هيئة التدريس من جامعة الأزهر وبعض أعضاء هيئة كبار العلماء وبعض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بمساعدة التربية والتعليم فى وضع هذه المناهج التى تتسم بالسماحة والوسطية والاعتدال.
ردع التجار
< مارأى الدين فيمن يقومون برفع الأسعار واحتكار الدولار ومافيا الأدوية، بما يكون له تأثير سلبى على اقتصاد البلد؟.
ــ طبعا ارتفاع الأسعار أمر لا يصح بل هو مرفوض تماما وينبغى على التجار أن يراقبوا ربهم وأن يخشوه وأن يعملوا على أن تكون الأسعار فى متناول الجميع، ونحن نخاطب الدولة والمسئولين فيها بأن يراعوا هذا وأن يقفوا للذين يغالون فى الأسعار والذين يقومون بالاحتكار أى احتكار السلع وأن يعلموا أن أمامهم يوماً سيحاسبون فيه إن لم يحاسبوا فى الدنيا فسيحاسبون فى الآخرة، وهذا المال الذى يأتى من غير طريق الحلال الحقيقى المشروع، هو مال حرام.. وقد نهى رب العزة عن أكل أموال الناس بالباطل لأن هذا سُحت والعياذ بالله، فيجب أن يحافظوا على أنفسهم وعلى أقواتهم وأن يكونوا فى عيشتهم فى حلال وألا يغالوا فى الأسعار وألا يجهدوا الفقراء والمحتاجين، بل يجب على التجار أن يراعوا الفقراء والمحتاجين.
الوقوف بالمرصاد
< ماذا تقولون لمروجى الشائعات لإثارة البلبلة بين المواطنين لخلق روح العداء تجاه القيادة السياسية؟.
ــ الشائعات مرفوضة ويجب أن توأد فى مهدها، لأن الشائعات من أخطر الأسلحة الفتاكة التى تثير الفتن، وقد استعاذ الرسول «صلى الله عليه وسلم» من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ودور الدولة أن تقف للشائعات بالمرصاد، و ترد على الشائعة ببيان الحقيقة، لأن القرآن قال «... وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَي أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ... » فدور الدولة يتمثل فى أمرين، الأول: قبل أن أعاقب أصحاب الشائعات أبين لهم أنها شائعة وأنها باطلة لا أساس لها من الصحة وبيان الحقيقة، ثم أعاقب أولئك الذين يروجون الشائعات.. وعلى الشعب أن يتصدى لمروجى الشائعات وأن يقف بالمرصاد ضد نشرها.
مصر أم الدنيا
< نصيحة لكل مصرى سواء بالداخل أو بالخارج ليكون قدوة طيبة وأسوة حسنة لأسرته ولغيرها..؟
ــ مصر هى أم الدنيا، ومصر هى كنانة الله فى أرضه من أرادها بسوء قصمه الله، فيجب أن يكون أبناؤها على هذا المستوى الرفيع بأن يكونوا قدوة فى السلوك وفى الأخلاق والمعاملات، قدوة فى حب الأوطان، قدوة فى التصدى لكل رذيلة من الرذائل وهكذا.
< ما المطلوب من الداعية حتى تؤتى الدعوة ثمارها؟
ــ المطلوب من الداعية أن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يجادل بالتى هى أحسن كما قال القرآن الكريم (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ ...).
ثانيا: على الداعية أن يطبق ما يدعو الناس إليه، لا أن يخالف فعله قوله، لقول الله تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، فلابد أن يكون الداعية قدوة لغيره.
اقتراح جميل
< ألا يمكن أن تعمل المؤسسة الدينية (الأزهر الشريف) على إعداد الداعية منذ بداية المرحلة الثانوية بالمعاهد الأزهرية بإنشاء قسم خاص لذلك بجانب العلمى والأدبى؟.. ويعلم من ينتسب إليه  أنه سيكون داعية ويرتدى الزى الأزهرى منذ التحاقه به ويلتحق بالكليات الدعوية بدون تنسيق ويعين فور تخرجه داعية دون إخضاعه للمسابقات؟
ــ هذا اقتراح جميل وأنا أوافق عليه تماما، لأنه عندما يأخذ الدعوة منذ شبابه ومنذ صغره ويكون ذلك برغبته، يكون غزير المعلومات وعندما يتخرج يكون فعلا داعية على مستوى عظيم.
لكنى أتمنى أن تحتضن الدولة هؤلاء الذين نعدهم ليكونوا دعاة المستقبل، منذ طلبهم للعلم إلى أن يكونوا فى الكلية بنظام إعاشة داخلية مثل طلبة كلية الشرطة بالعناية والرعاية بجانب ارتداء الزى الأزهرى، ويكون فى كل كلية للدعوة مسجد ليتم التدريب فيه على الدعوة.
إلى جانب أنه عندما يتخرج لا يتصدى للدعوة مباشرة قبل أن أعده على أيدى كبار العلماء والدعاة وكبار الباحثين من خلال محاضرات فى القضايا العصرية التى تحتاج إلى بيان ومناقشة القضايا الساخنة المطروحة على الساحة.. إلى جانب ما نعدهم به من المحاضرات والدورات ونمدهم به من الكتب والمراجع والأجهزة الحديثة لاستخدام التكنولوجيا حتى يستطيعوا الحصول على أى معلومة يحتاجونها فى عملهم.. إننا بهذا نكون قد أعددناهم إعدادا كافيا.