كسوف الشمس قاد إلى جهاز يعالج انفصال الشبكية

حكايات| أول طبيب مصري يعيد البصر بدون جراحة!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ قراءة: أحمد الجمَّال

يدخل المريض الذي عانى مشكلة فى البصر إلى غرفة العمليات وبعد ثلاث دقائق يستعيد الرؤية ويمارس حياته الطبيعية، هذه هى الحال الآن بفضل تطور تقنيات الليزر، ولكن الوضع كان مختلفًا فى القرن العشرين، وقد نشرت «آخرساعة» تحقيقًا قبل 61 عامًا للكاتب الصحفي الراحل حامد سليمان عن جهاز طبي جرى استخدامه للمرة الأولى فى مصر لعلاج انفصال الشبكية، ليعود البصر إلى المريض بدون إجراء جراحة.. وفى السطور التالية نعيد نشر التقرير بتصرف محدود.

إن ما حدث حقيقة رأيتها بعينى وسجلتها الكاميرا، لأول مرة يجرى طبيب مصرى جراحة الشبكية فى عينى مريض بدون مشرط، وبعدها عاد النور لعين الحاج عبدالشافى.

شهدت «آخرساعة» تجربة جديدة فى غرفة العمليات، أجرى العملية الطبيب المصرى الوحيد المتخصص فى جراحة الشبكية، والجديد أنها أجريت بدون استخدام مشرط واحد، وبعدها عاد النور لعينى الحاج عبدالشافى الفلاح في محافظة الدقهلية بعد أن عاش شهورًا طويلة وسط الظلام.. حدث كل ذلك بواسطة جهاز الأشعة الذى وصل أخيرًا إلى بلادنا، ويرجع الفضل فى اختراعه إلى ظاهرة كسوف الشمس التي حدثت فى ألمانيا عام 1945.

◄ اقرأ أيضًا | يعطي ترطيبا ولمعانا.. فوائد عصير الجزر للشعر

◄ طريقة جديدة
كانت العملية قبل الوصول إلى اختراع هذا الجهاز تتم عن طريق جراحات معقدة فى قاع العين، ثم تنتهى بكى جدار العين عن طريق تيار كهربى يخترق الجدار حتى يصل إلى الشبكية ويكوى كل الأنسجة التى يمر بها، وبعدها يظل المريض شهرًا كاملًا فى سرير بلا حراك حتى تنتهى آثار الكى الكهربائى.

وكانت هذه الطريقة من أحدث ما توصل إليه الطب فى علاج مرض انفصال الشبكية، ويرجع الفضل فى اكتشافها للطبيب السويسرى «جونان» الذى استخدمها لأول مرة عام 1925، وقبل هذا العام كان الطريق مسدودًا أمام علاج هذا المرض الخطير، وكان كل من يمرض به ينتهى به الحال إلى عالم الظلام، وقد نقل هذه الطريقة إلى مصر الطبيب المصرى الراحل محمد صبرى الذى كان أول من اهتم بهذا المرض وتخصّص فيه، وقد استطاع أن ينقذ آلافًا من مرضى الانفصال الشبكي فى بلادنا خلال الثلاثين سنة الماضية.

◄ الصدفة
ومضت عشرون عامًا، كانت الطريقة السابقة هى الوسيلة الوحيدة لإرجاع البصر لمرضى انفصال الشبكية، وفى عام 1945 لعبت المصادفة دورًا غريبًا فى علاج هذا المرض، ففى يوم 10 يوليو من ذلك العام، وعقب كسوف الشمس الذى حدث بألمانيا ورد إلى عيادة الدكتور مايو سفيكران، أستاذ أمراض العيون الشهير، بعض حالات غريبة لاحظ بعد الكشف عليها أنها مصابة بحروق فى الشبكية، ولمّا تحرى السبب اكتشف أن أصحاب هذه الحالات تتبعوا كسوف الشمس بتمعن شديد دون حرص ودون رقابة.
ودفعته هذه الملاحظة للتفكير فى استخدام أشعة الشمس أو ما يعادلها، فى كى الشبكية فى مكان التمزق الذى يتسبّب فى حدوث حالات الانفصال الشبكى، وظل يجرى تجارب مستمرة لمدة أربع سنوات كاملة حتى تمكّن فى النهاية من اختراع جهاز أشعة الشمس، وفى النهاية صمّم أول جهاز كى ضوئى لعلاج حالات الانفصال الشبكى.

◄ مثل الكاميرا
وقد قال الطبيب الذى أجرى هذه الجراحة الجديدة لـ«آخر ساعة»، الدكتور أنور جاد الله عنها، إن العين لا تختلف كثيرًا عن الكاميرا، فعدسة الكاميرا تكون صورة مقلوبة على الفيلم، وحدقة العين تكون صورة لما تراه على شبكية العين والأخيرة عبارة عن غشاء رقيق شفاف يبطن النصف الخلفى لها، وأكثر بقعة حسّاسة فيها المأقولة «مركز الشبكية»، وعليها تتوافر حدة الإبصار، ومنها تنقل صور المرئيات بواسطة العصب البصرى إلى مركز الإبصار بمؤخرة المخ لترجمتها.

والدكتور أنور هو الطبيب المصرى الوحيد المتخصص فى علاج انفصال الشبكية وقد بدأ اهتمامه بهذا المرض منذ عام 1941، عندما تخرج فى كلية الطب بجامعة القاهرة، ويرجع السبب كما يقول إلى أنه وجد أن حالات الانفصال الشبكى يختلف بعضها عن بعض، وأن كل حالة قائمة بذاتها ولهذا السبب يحدث اختلاف كبير فى التشخيص، كثيرًا ما يذهب ضحيته مئات المرضى.

(«آخرساعة» 10 يوليو 1963) «آخرساعة» نشرت قصة الدكتور أنور جاد الله عام 1963