يوميات الاخبار

صرخة فى وجه إسرائيل

سيد على
سيد على

كل شخص فى هذا العالم مراقب، وكل الخطر أن تلهيك الحياة وتطمئن، وتتوهم أن الأسرار محمية وذات خصوصية، فتجد من يباغتك، «فإذا أنت مفضوح على الملأ، فمن يريد أن يفضحك لن يمنعه شىء»..

الاثنين:
فى فبراير الماضى، جرى اختيار رواية «قناع بلون السماء» ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» 2024، للأسير الفلسطينى باسم خندقجى، الحدث لفت انتباهى وتساءلت، كيف لمعتقل داخل السجون الإسرائيلية أن يكتب رواية، متى كتبها وكيف وجدت طريقها للخروج من الزنزانة و تمت طباعتها، لا أعرف مصدر الفضول الذى دفعنى للبحث عن إجابات لكل هذه الأسئلة، وبدأت طريق البحث للوصول إلى تفاصيل الحكاية، حتى تمكنت بعد فترة من الوصول إلى يوسف خندقجى شقيق باسم كاتب الرواية، وتواصلت معه وعرفت منه تفاصيل كثيرة، فقد ولد باسم خندقجى فى مدينة نابلس الفلسطينية عام 1983، وهو أحد أبرز مفكرى الحركة الفلسطينية الأسيرة، بعد مشهد الطفلة إيمان حجو ابنة الأشهر الأربعة التى قتلتها قذيفة دبابة إسرائيلية فى حضن والدتها فى قطاع غزة. شكل «باسم» مجموعة طلائع اليساريين الأحرار، وفى عام 2004 اعتقلته قوات الإحتلال بعد عملية سوق الكرمل، والتى نفذها عامر عبد الله من كتائب الشهيد أبو على مصطفى، واتُهم «باسم» بأنه كان أحد أعضاء المجموعة التى خططت للعملية، وحكم عليه بالسجن ثلاثة مؤبدات، أما عن كيفية كتابة «قناع بلون السماء»، الصادرة عن دار الآداب، سألت شقيق الكاتب فقال: «أن تكتب رواية داخل السجون هذا أمر صعب جدًا حيث إنه خلال السنوات التى قضاها باسم داخل المعتقل زادت الإجراءات التعسفية ضد باسم والأسرى الأخرين أيضًا، وهذا الأمر سبب بعض الإضطرابات داخل السجون واتخاذ إجراءات تصعيدية ضد إدارتها وكلنا يعلم بذلك، أما رواية «قناع بلون السماء» فقد مثَّلت مشروعا كبيرا لباسم حيث إنها تختلف كثيرًا عما كتبه سابقًا من روايات، فالأسلوب المعتمد بالسرد مختلف كثيرًا ومتطور أكثر»، أما عن الرواية فهى تحكى قصة نور عالم آثار يُقيم فى مخيَّمٍ فى رام الله، يسعى لكتابة رواية تاريخية عن مريم المجدلية. ذات يوم، يجد هويَّةً زرقاء فى جيب معطف قديم، فيرتدى قناع المُحتلّ فى محاولة لفهم مفردات العقل الصهيونى، ويتحوُّلِ «نور» إلى «أور» - أور هو مرادف نور فى اللغة العبرية - وينضم «أور» إلى بعثة تنقيب إحدى المستوطنات، وهناك تتجلَّى فلسطين المطمورة تحت التربة بكل تاريخها، وفى المسافة الفاصلة بين نور وأور، بين الهويَّة الزرقاء والتصريح، تطل أزمة الهوية التى يمر بها نور، فهو لا يقبل وضعه كلاجئ يسكن مخيماً على أرض وطنه، وفى نفس الوقت لا يستطيع تقبل ما منحته له هويته المزورة من حياة طبيعية لكن وسط أعداء وطنه الذين استلبوا أرضه وزوروا تاريخه، وتنتهى الرواية بخروج نور من الكيبوتس بعد إلغاء عملية التنقيب ويعود إلى رام الله، وفى الطريق يخرج هاتفه ويعيد برمجته من العبرية إلى العربية، وفى البداية كتب باسم مسودة واحتفظ بها خوفا عليها من المصادرة، وخرجت الرواية إلى النور بصعوبة بالغة جدًا حيث حاول باسم إخراجها مع بعض الأسرى إلا أن إدارة السجن قامت بمصادرتها بحجة دواعى أمنية، فقام بإرسالها عبر البريد الإسرائيلي.


بعد أيام جمعتنى مناقشة مع صديقى عمرو الديب المشرف على صفحة الثقافة بالأخبار، ولا أعرف ما دفعنى لأقول له بكل ثقة أن «قناع بلون السماء»، هى الرواية التى ستفوز بالبوكر العربية هذا العام ، مرت الأيام وفى صباح يوم 28 أبريل الماضى تحدثت مع يوسف خندقجى شقيق باسم وقلت له سنتحدث معاً مساء اليوم فى الثامنة مساءً بعد إعلان اسم الرواية الفائزة، لأهنئنك بالفوز بالجائزة، كأن هاتفا بداخلى يؤكد أن «قناع بلون السماء» تستحق، وستحقق التتويج، فالأحداث الجارية فى غزة وملابسات كتابة الرواية وخروجها من غياهب المعتقل إلى النور، فضلا عن موضوعها الذى تطرحه.

وبالفعل تم التتويج وفاز «باسم» بجائزة البوكر العربية 2024، وكما كان متوقعاً – وكما حدث أيضاً بعد إعلان الرواية ضمن القائمة القصيرة – شنت السلطات الإسرائيلية حملة شرسة فى وسائل الإعلام المختلفة ضده وضد روايته، وجرت محاولات عنيفة لتشويه باسم ووصفه بـ «الإرهابى الذى يقضى عقوبة السجن المؤبد فى إسرائيل، يفوز بالجائزة الأدبية البالغة 50 ألف دولار»، وتم التوعد بعدم وصول أى دولار لـ»باسم» داخل معتقله. المؤكد - حتى الآن- أن باسم لم يعلم خبر فوز روايته، والمؤكد أيضاً أن «قناع بلون السماء» ستظل صرخة مدوية فى وجه إسرائيل.


صاحب العالم
السبت:
هل تسمح لى عزيزى القارىء أن أسألك: كم مرة كنت تتحدث فى التليفون مع صديق – مثلاً – حول رغبتك فى شراء سلعة ما، ثم فوجئت بعدها بسيل من الإعلانات عن نفس هذه السلعة تطاردك عبر مختلف الوسائل التكنولوجية التى تتعامل معها ، كمبيوتر، فيسبوك، انستجرام، أكس، وغيرها؟، أعرف أن الإجابة ستكون: كثير جداً !!، أعتقد أنه من هنا يمكن أن نبدأ الحكاية، حكاية «صاحب العالم»، الذى يسيطر على كل البشر، كل الأرض، كل الوقت، والتى يصطحبنا فيها الروائى الكبير، أحمد صبرى أبو الفتوح فى أحدث رواياته «صاحب العالم»، الصادرة عن دار الشروق، ويكشف لنا من خلال أحداث الرواية أن التطور التكنولوجى الرهيب الذى تحقق فى وسائل التواصل بين البشر وضعنا جميعاً فى سجن كبير! .
كل شخص فى هذا العالم مراقب، وكل الخطر أن تلهيك الحياة وتطمئن، وتتوهم أن الأسرار محمية وذات خصوصية، فتجد من يباغتك، «فإذا أنت مفضوح على الملأ، فمن يريد أن يفضحك لن يمنعه شىء»، صرخة مدوية، وحقيقة مؤلمة، وحكاية أصبحنا جميعاً جزءاً منها، بل نحن أبطالها، شئنا أم أبينا، مادمت تتعامل مع وسائل التواصل فأنت جزء من الحكاية، «إنهم يملكون كل شىء، الناس والموارد والفضاء، وأعماق الأعماق، حتى الخيال يملكونه!»، هذا هو الواقع الذى نعيشه، وهذه هى دقة ناقوس الخطر كما يعلنها لنا الروائى الكبير، بأسلوبه الشائق والرشيق، ويأخذنا إلى عالم متعدد الوجوه، الأغنياء وأصحاب النفوذ، والذين أفنوا أعمارهم ليصبحوا كباراً، فإذا هم معلقون، لا ارتقوا ولا سقطوا، ومن تقتلهم الحاجة وتذلهم الفضائح، ووجوه أخرى أكثر قبحاً وخطراً، كل هذه الوجوه يتحكم فيها صاحب العالم، « نحن فى كابوس حقيقى، هو الصراع بين سلطة الفضح ومملكة الأسرار»، وسنظل هكذا حتى نصل فى النهاية إلى الحقيقة المؤلمة، المؤكدة، أن كل ما كنا نظن أنه جنة التكنولوجيا هو جحيمها!.


فى النهاية، بالمناسبة لا توجد نهاية لهذه الدائرة الجهنمية، لكن هناك من يريد الخروج والهروب من عالم « صاحب العالم»، كيف يتحقق ذلك؟، لم تقدم لنا الرواية إجابة، لكنها كما أكدت لنا أنه « لا أمان لا ينغصه الخوف»، أوحت لنا، أيضاً، أنه «لا خوف لا يلمع فى ظلامه بصيص الأمل»، فهناك قيم ومشاعر يمكن أن تساعدنا وتنير لنا طريق الخلاص من العالم القبيح الذى يسيطر عليه صاحب العالم وزبانيته، بالحب والإخلاص والصداقة والتفانى، باللجوء إلى أحضان الأحباب، يمكن أن تتوافر لنا فرصة التفكير بهدوء فى كيفية الخروج والهروب من سطوة صاحب العالم.


حسن .. تاجر الحكايات
الخميس:
صديقى الصحفى والروائى الكبير حسن عبد الموجود أعرفه منذ منتصف التسعينيات، رأيته لأول مرة فى مكتب أستاذنا الراحل الكبير جمال الغيطانى رئيس تحرير جريدة «أخبار الأدب» وقتها، ومنذ ذلك الوقت جمعتنا أحداث يومية مشتركة ، العمل بالجريدة ثم الإنتقال إلى المقهى فى نهاية اليوم، نجلس معاً مع أصدقائنا، ياسر عبد الحافظ، إسلام الشيخ، محمد شعير، نتجاذب أطراف الحديث، ونملأ الدنيا صخباً، نلعب الطاولة حتى وقت متأخر من الليل ثم نذهب إلى بيوتناً، ونعود فى اليوم التالى لنلتقى، وهكذا .. ، منذ أيام قرأت أحدث إبداعات حسن عبد الموجود، «تاجر الحكايات»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، أعرف «حسن» حكاء كبيراً، بارعاً فى سرد القصص والحكايات، لكن ما أدهشنى هذه المرة هو قدرته الكبيرة على تقديم قصة أو أقصوصة بمعنى أدق. فى كلمات قليلة جداً عرفت منه أن ما دفعه لكتابة هذه الأقاصيص هو رغبته الشديدة فى لفت انتباه «صوفى» ابنته وتحقيق أكبر هدف من وراء الكتابة فى حياته وهو أن تقرأه «صوفى»، وبالفعل تحقق له ما أراد واستولت أقاصيصه على قلب قارئتها الأولى، وتحقق حلمه الكبير الذى تمناه كثيراً، أما أنا ياصديقى فقد قضيت حوالى ساعتين من المتعة فى قراءة قصص رائعة عن البراءة والموت والفقد والألم والجوع والعثور على الإنسانية فى الشر، وأيضاً، انتابتنى حالة مدهشة من «النوستالجيا» باسترجاع قصصنا وحكايانا فى الزمن الجميل، فبعض هذه الأقاصيص كانت تملأ جلساتنا، ضحكاً وألماً، شكراً صديقى حسن عبد الموجود.