عطايا القيامة.. العين الإيجابية

البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية
البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية

أهنئكم جميعا بعيد القيامة المجيد فى عام 2024. نحتفل بالقيامة المجيدة بعد هذا الصوم الطويل، الصوم المقدس والذى امتد إلى 55 يوماً. نحتفل بالقيامة كما فى كل عام. وكما تعلمون أن احتفال القيامة هو احتفال بأساس إيماننا.

وهذا الاحتفال بالقيامة هو احتفال بالمسيحية، والاحتفال بالإيمان بالمسيح. ولذلك نحتفل بالقيامة فى كل يوم فى صلاة باكر بالاجبية، ونحتفل بها فى كل أسبوع فى يوم الأحد لأنه يوم القيامة ويوم النور.

ونحتفل بها أيضا فى كل شهر فى تاريخ 29 من الشهر القبطي، وهو تذكارات للبشارة وللميلاد وللقيامة. ونحتفل بها كل عام فى عيد القيامة المجيد ويمتد احتفالنا إلى 50 يوماً نسميها الخماسين المقدسة.
والحقيقة أن عطايا القيامة عطايا كثيرة جدا فى حياة الإنسان. وأود أن أتحدث معكم عن عطية من العطايا الغنية التى فى قيامة رب المجد. هذه العطية هى عطية العين الإيجابية للحياة.

الإنسان خلق له الله العين كعضو للنظر. خلق له عينين فى وجهه لكى ينظر إلى الحاضر وينظر إلى المستقبل ولم يخلق له عيناً فى الخلف حتى لا ينظر إلى الماضي. جعله ينظر إلى الأمام دائما. وهذه العين على الرغم أننا نشترك جميعا فى تركيبها، التركيب الفسيولوجى والتركيب التشريحي، ولكن نظرة العين تختلف من واحد الى آخر لنفس الشيء. لذلك العين الإيجابية للحياة تتميز بثلاث ميزات:

الميزة الأولى انها عين واقعية. تنظر للأمر فى واقعيته وفى حدوده وفى شكله وليس فى الخيال. وتنظر للأمر فى واقعيته، أنه أمر واضح أمام الإنسان ولا يحتمل أى تأويل.

الجانب الآخر للنظرة الإيجابية للحياة، أنها نظرة إنسانية. يعنى يجب أن تشتمل نظرة الإنسان للأمور على عمل الرحمة. لأن عكس الرحمة توجد القساوة. والقساوة امتلأت بها قلوب كثيرة فى العالم. ولذلك نظرتها ليست نظرة إنسانية.

الجانب الآخر للعين، يجب أن تكون النظرة متكاملة وليست نظرة متناقصة. كما تدرون جميعاً أننا نقول الكوب الذى فيه جزء من الماء، هذا الكوب ممتلئ أم ناقص؟ البعض يراه كوباً ممتلئاً من الماء، هذه نظرة إيجابية ونظرة متكاملة. والبعض يراه كوباً ناقصاً، وبالتالى هذه نظرة سلبية.

هذه الأمور، النظرة الواقعية والنظرة الإنسانية والنظرة المتكاملة، تشكل جميعها العين الإيجابية للحياة.

سأعطيكم بعض الأمثلة من أحداث الصليب والقيامة.

كان يوحنا الحبيب، ويهوذا الإسخريوطي، تلميذين من الاثنى عشر، اختارهما السيد المسيح، ورأيا تعاليم السيد المسيح ومعجزاته وكانا معه. وبالتأكيد كان هناك حوارات بينهما وبين السيد المسيح. يوحنا الحبيب كان له النظرة والعين الإيجابية للحياة.

نراه يرتبط بالسيد المسيح، يصل معه حتى إلى الصليب وإلى المحاكمات. ونراه يجد المتعة الكبيرة فى انه يتكئ برأسه على صدر السيد المسيح. وهو أطلق على نفسه «التلميذ الذى كان المسيح يحبه» (يوحنا 19: 26). فى المقابل، يهوذا الإسخريوطى كانت نظرته مادية، وكانت نظرته سلبية.

ولم ير فى المسيح أنه المخلص الفادى الذى جاء لأجل خلاص العالم. ولأنه لم يجد فيه تحقيق أطماعه المادية أو الأرضية ولذلك باع سيده بثلاثين من الفضة. وفى النهاية ذهب وشنق نفسه ومات وخسر نصيبه الأبدي. الاثنان لهما نفس الموقف، واحد له العين الإيجابية والآخر له العين السلبية.

مثال آخر نراه فى أحداث الصليب عندما ننظر إلى اللصين، وهما اللص الذى كان عن شمال المسيح والآخر عن يمين المسيح. صلبوا لصين مع السيد المسيح امعاناً أنه مجرم.

اللص الشمال كان له حديث كبير «اذا كنت انت المسيح، فخلص نفسك وايانا» (لوقا 23: 39)، وارفع عنا الألم الذى نحن فيه، الم الصليب. اللص اليمين كان له نظرة فى نفس الموقف وفى نفس التوقيت ونفس الشواهد. اللص اليمين ينظر نظرة إيجابية، ويفطن الى رؤية مغايرة: «اما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا» (لوقا 23: 41).

ونظر إلى المسيح وقال: «اذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك» (لوقا 23: 42). كانت هذه العبارة، عبارة صلاة، عبارة توبة، عبارة نداء، عبارة رجاء. وقبلها السيد المسيح فى آخر ساعات حياة اللص اليمين. وقال له: «الحق أقول لك: أنك اليوم تكون معى فى الفردوس» (لوقا 23: 43).

هذه الصورة تنطبق فى نماذج كثيرة جداً للعين الإيجابية للحياة. ولذلك أيها الأحباء، تمسك أن تكون لك عين إيجابية. عين إيجابية تنظر للأمور فى ايجابيتها لكل احداث حياتك اليومية، احداث العمل والخدمة والأسرة. كل هذه الأحداث يجب أن تكون لك فيها النظرة الإيجابية. هذا هو فعل القيامة المجيدة فى حياة الإنسان. واجعل قلبك دائما مرفوعاً وتقول: يا رب أعطنى العين الإيجابية التى ترى الأمور فى حقيقتها وفى جمالها وفى إيجابيتها، ابعدنى عن النظرة السلبية أو النظرة الضيقة أو النظرة التى لا ترى إلا ما هو سيئ. الحياة فيها جمال ممتد فى كل عمل صالح.

أنا سعيد أن أرسل لكم هذه الرسالة. أقدم التهنئة القلبية باسم الكنيسة القبطية وباسم المجمع المقدس، وأقدمها من هنا من مصر إلى كل الايبارشيات وإلى كل الكنائس والأديرة فى ربوع العالم كله. أهنئ اخوتى الأحباء الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان والأمهات الراهبات ومجالس الكنائس وكل الشباب وكل الخدام وكل الشمامسة وكل الشعب وأيضا إلى كل الأطفال. اهنئكم جميعا أينما كنتم، فى أوربا، إفريقيا، آسيا، أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية، أو فى قارة استراليا. أهنئكم جميعا. وهذه التهنئة أحملها إليكم، إلى كل فرد طالبا من ربنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يفرحكم على الدوام وأن يعطيكم العين الإيجابية لكل عمل ولكل حدث فى حياة الإنسان. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.