أبطال أكتوبر يتحدثون لـ «الأخبار» عن ذكريات النصر والتفاوض

«ذهاب بلا عودة» عمليات انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء
«ذهاب بلا عودة» عمليات انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء

فى 25 أبريل 1982، اكتملت عملية استعادة سيناء بانسحاب القوات الإسرائيلية الأخيرة من المنطقة، وتحولت سيناء رسميًا إلى سيادة مصرية كاملة، كان هذا الحدث لحظة فارقة فى تاريخ مصر، حيث أعاد إحياء الفخر الوطنى وأعطى دفعة قوية لعملية بناء الدولة، وتمثل استراتيجية استعادة سيناء عملية معقدة وشاملة تضمنت تحركاتٍ عسكرية ودبلوماسية متنوعة، وقد اندفعت مصر لاستغلال الفرص الدولية المتاحة لتحقيق أهدافها، من أجل تحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة.. باختصار.. تحرير سيناء واسترداد كامل الأرض كان إنجازًا تاريخيًا لمصر، لا يمكن فيه فصل ذكرى تحرير سيناء عن حرب أكتوبر والمعركة القانونية لتحرير طابا.


عودة الأرض
وعن استرداد سيناء وعودة الأرض، قال اللواء بحرى وسام عباس حافظ، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، وضابط الاستطلاع بعملية «إيلات» الشهيرة وأحد أفراد الفرقة 39 قتال: قبل الحديث عن عودة الأرض لابد من ذكر موقعة الكرامة، حرب أكتوبر المجيدة، فهذه الحرب لم تكن درساً للعدو فقط ، بل حطمت الأسطورة المزعومة التى أشاعها من ساتر لا يُقهر وجيش لا يُهزم ومثل كل هذه الخرافات، بل كانت درساً للعالم أجمع ورسالة مفادها أن مصر لديها قوات مسلحة قادرة على سحق كل من تسول له نفسه الاقتراب من أرضها، وقطع كل يدٍ تمتد إلى جزء منها بسوء ، فبعد المعركة الشهيرة التى دُرست فى الكثير من دول العالم، كان للمنتصر وقفة يمد يده فيها بالسلام فكما كان قوياً فى الحرب كان قوياً أيضاً فى السلام .


فض الاشتباك
وأضاف فى تصريحات خاصة لـ«الأخبار»: أن مفاوضات السلام بدأت فى يناير ١٩٧٤ وتم توقيع الاتفاق الأول لفض الاشتباك بين الجبهتين، وتم تحديد الخط الذى ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية على مساحة ٣٠ كيلومتراً شرق القناة وخطوط منطقة الفصل بين القوات ترابط فيها قوات حفظ السلام الدولي، وفى سبتمبر ١٩٧٥ تم التوقيع على الاتفاق الثانى الذى بموجبه تقدمت مصر إلى خطوط جديدة مُستردة حوالى ٤٥٠٠ كيلومتر من أرض سيناء، وكان من أهم بنود هذا الاتفاق أن النزاعات فى الشرق الأوسط لن تُحل بالحروب ولكن بالجلوس على طاولة المفاوضات وتحقيق السلام.


وتابع «حافظ»: ثم أتت بعد ذلك مبادرة الرئيس السادات بزيارة القدس فى نوفمبر ١٩٧٧، وأعلن خلالها فى بيان أمام مجلس الشعب أنه على استعداد للذهاب إلى إسرائيل، وقام بذلك بالفعل وألقى خطابه الشهير فى الكنيست الإسرائيلى، ثم تلا ذلك توقيع معاهدة كامب ديفيد والتى أعادت الأرض بشكل كامل باستثناء منطقة طابا التى أعُيدت بالتحكيم الدولى فى عهد الراحل الرئيس محمد حسنى مبارك، وأسُدل الستار وعادت الأرض كاملة لمصر.


معارك دبلوماسية
وفى سياقٍ متصل قال العقيد مهندس كرم أحمد شحاتة، والذى كان يعمل مهندسًا لسرب مقاتل «قاذف حديث» فى أحد التشكيلات المقاتلة : إنه بعد نهاية الحرب بدأت معارك الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل، حيث كانت بدايتها المفاوضات للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية وهى مفاوضات  الكيلو 101، والتى كانت فى شهرى أكتوبر ونوفمبر عام ١٩٧٣ وتم الاتفاق على تمهيد التجهيز للوصول إلى المفاوضات السياسية لبلوغ تسوياتٍ دائمة بالشرق الأوسط، ثم عقد اتفاق تم التوقيع عليه فى الحادى عشر من نوفمبر ١٩٧٣ بوقف إطلاق النار، ووصول الإمدادات اليومية إلى السويس، على أن تتولى قوات الطوارئ الدولية المراقبة والإشراف على عمليات تسليم الجرحى والأسرى، واعتبر هذا الاتفاق مرحلة مهمة فى بداية عملية السلام، ثم تم استكمال المفاوضات بعد ذلك عامى ١٩٧٤ و١٩٧٥، لتبدأ  مباحثات كامب ديفيد التى أدت لإحلال السلام فى الشرق الأوسط لتنعقد المعاهدة «المصرية - الإسرائيلية»  عام ١٩٧٩، ليقوم بعد ذلك الرئيس المصرى الراحل محمد حسنى مبارك  فى الخامس والعشرين من أبريل عام 1982 برفع العلم المصرى فوق شبه جزيرة سيناء بعد استعادتها كاملة من إسرائيل، وكان هذا هو المشهد الأخير فى سلسلة طويلة من الصراع المصرى - الإسرائيلى انتهى باستعادة الأراضى المصرية كاملة بعد انتصار كاسح للسياسة والعسكرية المصرية.


أثر عظيم
وفى ذات السياق أكد العريف إسماعيل بيومى، حكمدار مجموعة إزالة الساتر الترابى فى حرب أكتوبر: أن عودة سيناء واسترداد الأرض، كلمات لها أثر عظيم فى النفس، فسيناء ليست مجرد أرض بل هى كيان عاش داخل كل مصرى وطنى غيور على بلده ورُويت أرضها بدماء المصريين، ودُفنت فيها أجزاء من أجسادهم، ولم تكن عودة سيناء مجرد رجوع الحق لأصحابه، بل كانت بمثابة رجوع الروح لأجساد كل من شاركوا فى الحرب، وكل المصريين الذين عاشوا فى تلك الفترة، مضيفًا: أنه منذ يوم الهزيمة فى 1967 حتى العبور العظيم 1973 لم يكن يمر اليوم على جنودنا الأبطال مرورًا هينًا، بل كان الجميع يشعر بأن اليوم يمضى ببطء متثاقلًا وتشعر بأنه عام كامل، فكيف ينام من سُلبت كرامته وأهُدر حقه، وتعاهدنا على تحقيق النصر مهما كان الثمن، حتى عبرنا وانتصرنا وقدمنا كل غالٍ وعزيزٍ، هانت دماؤنا، ورخصت أرواحنا ولم نرضِ أبدا بذُل فقد الأرض، سيناء كانت قطعة من روحنا ولم تستقر الروح إلا بعد عودة تلك القطعة الغالية .


جهود الحرب
وأوضح «بيومى»: أن جهود الحرب والنصر كللتها جهود الرئيس الراحل أيقونة الدهاء والذكاء أنور السادات، وعادت سيناء، ومن بعده أكمل المسيرة الرئيس الراحل حسنى مبارك، وعادت القطعة الأخيرة «طابا» لتستقر الروح كاملة مكملة «سيناء» فى جسدها «مصر»، ولم تذهب آلامنا ولا شهداؤنا ولا دماؤنا التى رُويت بها رمال سيناء هباءً، فكل عزيزٍ أُهدر عُوض بنفيسٍ غالٍ، وفى كل عام فى مثل هذه الأيام أروى لأحفادى أن هناك قطعة من قلوبنا قد سُرقت، ولكننا لم نهدأ ولم نذق طعم الراحة حتى استرجعناها، أنظر لكل إصابة فى جسدى وأضع يدى مكانها بفخر محدثاً أحفادى «ذهبت هذه من أجل سيناء»، واختتم بأن سيناء ستظل هى الروح ومهجة القلب ومن سالت دماؤهم على أرضها لم ينتهِ دورهم إلى هذا الحد، بل عليهم تذكير وتعليم أحفادهم والأجيال الجديدة بأهمية الأرض وأن الأرواح تهون مقابل كل ذرة تراب منها، وأن يعلموا جيدًا بأن «الأرض عرض والعرض يرخص من أجله كل عزيزٍ وغالٍ».
 محمد فايد