ع الزيرو

عثمان علام يكتب: حالة خاصة وسيارات ذوي الهمم

عثمان علام
عثمان علام

أفضل شيء حصل فى الحياة خلال العشر سنوات الماضية، هو أهتمام المجتمع بأصحاب الحالات الخاصة، وإلغاء كلمة "معوق"، من قاموس الشباب وأذهان الجيل الجديد، الجميع باتوا ينطقون كلمة "ذوى الهمم"، بدلاً من الكلمات التى كانت تزيد الجُرح، وتصعب على أصحاب الحالات الخاصة الإندماج فى المجتمع وتفضيل حياة العزلة، وخلق مجتمعات موازية، كل فريق له ملكوت يعيش فيه.

وإذا كان هناك نجاح حقيقى للدراما التى تعرضها المنصات المختلفة، فهو نجاحها فى عرض أعمال لذوى الهمم، وإلقاء الضوء على قصص نجاحهم وكيفية تغلبهم على الظروف ومد يد العون لهم، وجعلهم شيء مختلف عن تلك الصورة التى تربينا عليها نحن جيل الوسط.

وقد شاهدت عدد من حلقات مسلسل "حالة خاصة"، الذى يعرض على منصة wach it بطولة غادة عادل وطه الدسوقى، وعدد من الوجوه الشابة، واستهوانى المسلسل لدرجة أنى انتظر عرض الحلقات واحدةً تلو الأخرى، ولفت انتباهى للمسلسل أولادى "كريم وعمر"، وأشد ما جذب انتباهى مدى إعجابهم بالبطل "طه الدسوقي"، الشاب المصاب بالتوحد، لكنه شديد الذكاء، تفوق على كل من يعمل معهم فى مهنة المحاماة، وهى مهنة شاقة تحتاج للسان فصيح أكثر من حاجتها لحفظ القوانين، لكن البطل "المتوحد"، تغلب على كل ذلك بالمطالعة والقراءة وحب الأخرين، ومعرفة كيفية إظهار البراءة واستنباط الأدلة.

والعمل فى سياقه الدرامى ممتع للغاية، ففيه من الحبكة ما يجعل المشاهد المتبصر يجلس متفرجاً وذهنه يستبق الأحداث، لديه شغف عن ماذا سيحدث فى المشهد القادم.

ولست هناك فى موقع المحلل للعمل الدرامى، فهناك كثيرون ممن يعملون بالنقد لديهم القدرة الفائقة فى التحليل ومعرفة مواطن القوى والضعف، لكنِ تذكرت الماضى البغيض الذى عشنا فيه متنمرين على كل ذوى الهمم، حتى أننا نسينا أسمائهم وكنا نناديهم بعللهم وفواجعهم وحالاتهم الخاصة.

في المدرسة كان لنا زميل لديه إعاقة فى قدمه، كنا نناديه ب"الأعرج"، وفى أى موقف يحدث ويكون هو بطله نقول أكيد "عروج " هو اللى عمل كده.

كمان فاقد البصر، كنا نناديه ب "الأعمى"، حتى أننى فى أحد المواقف نسيت اسمه من كثرة مناداته بالأعمى، ولم أكن أنا بأفضل من الشيخ الجليل الذى كان يختبر الدكتور طه حسين، وفى غلظة منه قال له "إقرأ يا أعمى"، وظلت هذه الكلمة عقدة الدكتور طه حسين، ولو شققنا عن قلبه لوجدنا بحوراً من الكره لدى الدكتور طه حسين تجاه هذا الشيخ الغليظ.

وكل شيء يشبه وقته وزمنه، فالزمن الذى خرجت فيه الأعمال الدرامية والأفلام تمقت أصحاب الحالات الخاصة، خلقت مجتمع له نظرة دونية لأصحاب الهمم، أما فى هذا الوقت الذى ركزت فيه الدراما على معالجة الأمر، خلقت جيل صحى يرفض ما كان يحدث فى الماضى.

وقد رأينا جهود كبيرة للدولة، واهتمام شخصى من الرئيس السيسى، بذوى الهمم ووضع عقوبات مشددة على المتنمرين، حتى وزارة التربية والتعليم وضعت التلميذ الذى يتنمر على زميله تحت طائلة المسآلة، وبهذا قضت على التراث القديم الذى ظل يوطن التفرقة على أساس الشكل والنوع والجنس والإعاقة.

يبقى شيء أخير وهو تغيير افراجات السيارات الخاصة بالمعاقين لتكون بإسم " أصحاب الهمم"، وقد وجدنا بادرة طيبة من مقدمى محتوى السيارات على السوشيال ميديا، فقد باتوا يقولون "سيارة ذوى الهمم"، ويرددوا ذلك كثيراً، تبقى فقط الاوراق لتؤكد وتدعم الواقع.

كما يبقى أيضاً أن تشدد الدولة على استغلال سيارات ذوى الهمم لمحاربة من يستغل ذلك، ووضع قيود على كل من يقوم باستيراد سيارة بقصد الاستعمال ثم يقوم ببيعها لأخر، ويكون ذلك بدراسة حالة المعاق ومعرفة مدى قدرته وحاجته لشراء سيارة من الخارج، فقد ظهرت ماڤيا سيارات ذوى الهمم بغزارة هذه الأيام.