فصاحة القرأن | جواب الحكيم

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

اليوم موعدنا مع لون من ألوان الفصاحة القرآنية سماه علماء البلاغة باسم «أسلوب الحكيم»، أو «جواب الحكيم»، ومعناه الجواب عن السؤال بغير ما يريد السائل تنبيهًا على ما يجب عليه أن يسأل عنه.

وهذا الأسلوب البلاغى يُعد من محاسن كلام العرب، ففيه توجيه من المفتى للمستفتى أن يسأل فيما يفيده لا أن يشغل نفسه بأسئلة لا تعود عليه بالنفع.. وقد يرد جواب الحكيم بأن يزيد المفتى فى جوابه على سؤال السائل زيادة لا تتم الفائدة من الجواب إلا بها، كما جاء لسان النبى صلى الله عليه وسلم فى صحيح مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: رفعت امرأة صبيًّا لها، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجر».

اقرأ ايضًا | مع الصحابيات | أَسْمَاءُ بِنْت سلمة المجاهدة المشاركة وسيدة الأعمال

فجواب سؤال المرأة قد تم بقوله : «نعم»، وهذا كافٍ فى جواب ما سألت المرأة عنه، ولم تسأل: هل لها أجر أم لا؟ وإنما زادها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الزيادة؛ لأن النبى  خبير بنفوس البشر التى جُبِلتْ على حُبّ العمل نظير الأجر، وهذا من البلاغة النبوية.

وأذكر هنا أنى لما كنتُ أقرأ أذكار الصباح والمساء مصحوبة بقراءة الثواب المترتِّب على كل ذِكر من الأذكار، كنتُ أنشط على المداومة فى القراءة وأحرِص على ديمومة الذِّكر، فإذا ما وجدتُ من نفسى مللًا أو خمولًا عن قراءة الأذكار أرجع لقراءة الثواب مرة أخرى.

ومن أمثلة جواب الحكيم فى القرآن الكريم قوله تعالى فى سورة البقرة: «يسألونكَ عَنِ الأهلّةِ قُلْ هى مواقيتُ للناسِ والحجِّ». يقول الله تعالى: يسألونك-يا أيها الرسول-عن تكوين الأهلة-والأهلة جمع هلال- وتغيُّر أحوالها؛ بحيث يبدو الهلال ضعيفًا فى أول الشهر، ثم يتزايد إلى نصفه، ثم يشرع فى النقص إلى كماله، وهكذا.

وهذا هو سؤالهم عن كُنهِ الأهلة لا عن فائدتها، فجائهم الجواب بذكر فائدة الأهلة، فهى مواقيت للناس، والعلة فى بدئها صغيرة مثل الخيط ثم تكتمل حتى تصير بدرًا ثم تنقص حتى تصير محاقًا: هى أن يعرف الناس بها مواقيتهم التى يؤقتونها لأعمالهم؛ فبوجود القمر على هذه الأحوال نعرف شهر الحج، وشهر رمضان، وتمام الحول فى الزكاة، كما نعرف آجال العقود فى البيع والإيجار، وسداد الديون وما إلى ذلك.