قال الفيلسوف سقراط إن نظام التعليم في كل زمان ومكان: ما اسمعه أنساه وماأراه قد أتذكره، وما أفعله أتعلمه.. أين نحن من هذه المفاهيم والواقع الجديد طلع علينا وزير التربية والتعليم الاستاذ محمود ابو النصر علي الرأي العام، وعلي المهتمين بشئون التعليم والبحث العلمي والشباب، بقرارات أكل عليها الدهر وشرب. سبق ان نوقشت مثل هذه المقترحات علي مدي أكثر من ثلاثين عاماً مضت، وثبت عدم جدواها.. ومؤدي هذه القرارات ان المجلس الأعلي للتعليم بشأن تطوير الثانوية العامة، والتي تدور حول اضافة بعض المقررات المؤهلة للتعليم الجيد وتعديل معايير التقويم لتخريج طالب قادر علي العمل البناء والتفكير المنهجي عن طريق استحداث شهادة جديدة تسمي: »البكالوريا المصرية»‬.. والتي تبدأ من بعد المرحلة الاعدادية، ولا اظن انه توجد شهادة وطنية أهينت إلي درجة مخزية، مثلما حدث للثانوية العامة المصرية. لقد تعرضت هذه الشهادة المؤهلة للالتحاق بالمرحلة الجامعية للبهدلة وقلة القيمة، حتي اصبحت غريبة في بلدها، تارة نجعلها علي مرحلتين، وتارة نفكر في جعلها ثلاث سنوات، وتارة نريدها سنة واحدة، وقد ثبت عمليا ان النظام الحالي يلقي قبولا من الرأي العام والبيت المصري الذي يسمح بدور ثان يدخله الطالب في جميع المواد.. مع وضع ضوابط صارمة لاحياء المدرسة الحكومية التي هجرها الطلاب منذ اول يوم للدراسة في كل عام، ومواجهة خطر مراكز الدروس الخصوصية، التي انتشرت في جميع انحاء مصر كالوباء، واصبحت المدارس الحكومية تبكي حالها، ولم تجد من يشفق عليها واصبحت مأوي للبوم والغربان.. وضاعت اموال الشعب هباء. ان المسئولين عن التعليم في بلادنا اهدروا دمها بجعلها تدخل في منافسة مع الشهادات الاجنبية الوافدة المعادلة للثانوية المصرية إلي الدرجة التي جعلت كثيرا من اولياء الامور يتفاخرون بدون حياء بأن ابناءهم حاصلون علي الثانوية الانجليزيةاو الامريكية.. الخ، علي الرغم من ان كل دولة تعتز بنظامها التعليمي، فهو عنوان هويتها، وقوتها إلا مصر وانظر حولك، في الدول المتقدمة، والدول الساعية للنمو سنجد شهادتها الوطنية مستقرة، لا يطرأ عليها أي تعديل سوي تطوير بعض المواد لمسايرة التقدم العلمي العالمي الذي يقفز قفزات سريعة كل ثلاث سنوات علي الاكثر، والغاء المواد التي اصبحت خارج العصر، ومكانها الآن متاحف تاريخ العلم. كنت ارجو من الوزير ولجانه الفنية ومجالسه الموقرة ان يترك الثانوية العامة في حالها. لان هذه المجالس يتم تشكيلها وفق هوي من بيده السلطة. في كل زمان.. وقد عاصرت تشكيل مثل هذه المجالس المختارة بعناية لعقود طويلة، بحيث تكون داعمة للوزير وليست خميرة عكننة تحد من طموحات الوزير، خاصة ان التعليم في كل أمة هو مستقبلها، وشاهد علي رقبتها او تخلفها.. وكنت ارجو كذلك ان يقوم الوزير، من خلال الوثائق، باعلام الرأي العام بحجم الاموال التي تلقتها مصر خلال عشرين عاماً، مثلا، هبات، ومنح مالية.. وعلي اي شيء انفقت، هل انفقت مثلا علي بناء مدارس جديدة، وتحديث المعامل ام صرفت علي لجان وما اكثرها، في صورة مكافآت مجزية.. ليقف الشعب علي حجم الاموال التي اهدرت، التي تخطت المليارات من الجنيهات، ولكن لا احد يهتم، او يراقب او يعاقب. ان المهمة الوحيدة لعشرات المجالس ان تبارك وتثني علي كل مقترح يتقدم به الوزير، اي وزير ولو جانبه الصواب اما الداعون إلي الاصلاح فهم خارج الدائرة. ليت الوزير، اعطي اهتماما لائقا للتعليم الفني والتدريب المهني المحترم، لتخريج كوادر فنية بحق وحقيق تدخل سوق العمل فور تخرجها.. وليت الوزير، ومعه رجاله زاروا المدارس الفنية الصناعية، والزراعية والتجارية.. الخ علي الطبيعة، لوجدوا العجب العجاب، تلاميذ لا يجيدون القراءةوالكتابة في حدها الادني.. ان هذا القطاع هو عصب اي تقدم في كل مجالات الانتاج والخدمات. تمنيت علي الوزير ورجاله ان يخلعوا البدل الشيك ويرتدوا »‬الأفرول» لبس العمل الجاد، وان يتركوا حياة الدعة والرفاهية، وان تتحول الوزارة إلي »‬خلايا نحل»  من العاملين والمعلمين، تجوب المحافظات لتفقد حال المدارس.