يقول الأستاذ علي الذي عاش عمره معارضا، في السنتين الأخيرتين تراخت قبضة النظام، وصار بمقدورنا تنفس بعض الهواء، وظلت ضيعتنا لفترة ليست قصيرة بعيدة عن معارك «النصرة» و»الجيش الحر»، لم نعرف خلالها الرجم وحز الرقاب، ولا البراميل والكيماوي، ولا الطوائف والأحقاد.. لكن هذا الهدوء النسبي سرعان ما انتهي في الشهر الأخير، فجأة تغير كل شيء.. وجوه غريبة تتكاثر في ضيعتنا، من كل جنس ولون، من شتي البلدان، وبكل اللغات واللهجات.. ما شاء الله، كلهم متحدون وراء هدف واحد، أتوا من أطراف الأرض وأقاصيها لتحقيقه: تعليمنا الأدب، وفرض الحشمة علي نسائنا، وتطهير ضيعتنا من الكفرة.
أبو حجر، حارس المدرسة، ما غيروه.. فقط، صار اسمه الشيخ أبو القعقاع، ويا ويل اللي يناديه باسمه القديم، سيجلده بلا رحمة.
والمفاجأة، أنه أبو حجر، قصدي أبوالقعقاع، صار مديرالمنطقة التعليمية، ويوم الجمعة وقف يخطب: نعلن براءتنا من تعليم المناهج الباطلة، والكتب النصيرية، ومن اليوم وطالع ما في نشيد وطني وعَلَم وطابور صباح، هذا كله من بقايا العلمانية والكفر..
ويضيف الأستاذ علي.. كتير أشياء تغيرت: مدرسة تشرين، التي درّست فيها عشرين سنة، صار اسمها «مدرسة أبومصعب الزرقاوي.. وقبل أسبوعين، جمعت داعش كل المدرسين في مسجد الإيمان (الذي حولته إلي مسجد ابن تيمية) وأخبرتهم بأنه يتعين علي كل معلم حضور دورة شرعية، إضافة إلي تقديم استتابة، ومبايعة الخليفة البغدادي، وكل من يتخلف عن ذلك سيتم التعامل معه كمرتد.. يعني ذبحه بعد استباحة بيته وأمواله..
كيف أقف قدام طلابي، واعترف لهم إني كنت كل السنين اللي فاتت كافر ولعين، واليوم الله هداني وصرت مسلم ؟
الحل لم يكن سهلا.. فالأستاذ علي استغرق 16 يوما قبل أن يجدوا جثته وجثة زوجته بجواره وقد دس لها السم ثم انتحر، بعد أن شاهد زملاءه يتم ذبحهم وتباع زوجاتهم بالأسواق تاركا أوراقا يشرح فيها أنه قرر إنهاء حياته، قبل أن يسوقه أحد الملثمين ويحز رقبته.
هذا جزء من قصه حقيقية طويلة.. كتبها الصحفي السوري عبد الغني سلامة علي أحد المواقع الالكترونية.. بناء علي الوصية الأخيرة لصديقه علي بكار الحلبي الذي كان يعمل مدرسا بمدرسة تشرين بضيعة جب الحمام بحلب الشهباء ومن واقع أوراقه
.. هل نتخيل أنفسنا مكان الأستاذ علي رحمه الله؟.. ماذا نفعل؟.. هل نعلن توبتنا ونسلم بالطريقة الداعشية، أم ننهي حياتنا بأيدينا ؟!!
رحم الله شهداءنا.