تتغير ظروف الأمن القومي لمصر طبقا للتاريخ ومراحله، لكن تظل عناصر أساسية تحكمه، في العصور القديمة كانت مصر بسبب موقعها وتفردها الحضاري هدفا لغارات ومحاولات غزو من بدو الصحراء المحيطة ومن قبائل الجنوب، لذلك كان من أسس الدولة المركزية اللازمة لوحدة مصر الحفاظ علي الحدود، أولي مسئوليات الفرعون الذي أصبح لقبه الآن رمزا للطغيان للأسف مع أن حقيقة التاريخ تؤكد خلاف ذلك، ومعني الكلمة »برعو»‬ التي تطورت إلي فرعون في العربية »‬البيت الكبير»، كما نقول الآن »‬البيت الأبيض» عن رئيس الولايات المتحدة وسياساته، كان من أولي مسئولياته الحفاظ علي الحدود وتثبيت علامات لتحديدها وتأريخ المعارك التي صد الغزاة فيها، أخطر عملية غزو تعرضت لها مصر من قبائل البدو الرعاة الهكسوس، وأصولهم مختلف عليها حتي الآن، جاءوا من الشرق وأسسوا عاصمة في محافظة الشرقية الآن، »‬أواريس» أو صان الحجر حاليا، إنسحبت العاصمة إلي طيبة، وتولت المرأة المصرية عملية الشحن المعنوي، تماما كما تحض الأم المصرية الصعيدية ابنها علي طلب الثأر لأبيه، بهذه الروح نما أحمس بطل التحرير، هنا يجب أن نتذكر الفرعون الشهيد سقنن رع الذي يرقد في متحف التحرير في صندوق عادي كأنه في مشرحة زينهم، هذا الفرعون العظيم استشهد في الحرب ضد الهكسوس وآثار الجرح القاتل في جمجمته ماتزال. هذه المؤمياء يجب أن يزورها طلبة المدارس من كل الأعمار وأن يفرد لها جناح خاص في المتحف الحربي، بعد أن أصبح المتحف المصري غير آمن لسرقات محتوياته المنظمة. الممنهجة، استوعب فراعنة مصر درس الاحتلال الذي استمر قرنا ونصف القرن من الزمان، بدأ تحتمس الثالث يؤسس لمفهوم جديد للأمن القومي، عبر سيناء علي قدميه سبع عشرة مرة ليبعد أعداء مصر إلي ما وراءالفرات وحتي جبال طوروس. هكذا تأسست الامبراطورية، إزدهرت مصر، ولكن كان للامبراطورية أثرها السلبي فقد اتسعت الحدود وجاء إلي مصر نساء العراق والبلدان الاخري ومعهم الأفكار وبلغ الأمر قمته بظهور إخناتون المعروف خطأ أنه أول الموحدين، وهذا غير صحيح، فلم تكن الديان المصرية قبله وثنية، إنما كانت تؤمن بخالق للكون وهذا موضوع يشكل مشكلة عميقة في الثقافة المصرية، انهارت الامبراطورية رغم ثرائها وقوتها، واتسع الشرخ في البنية الروحية والمادية حتي زالت الحضارة المصرية بعد الأسرة الثلاثين، وتعرضت لغزوات مهينة لمصر أخطرها الغزو الفارسي ثم الاحتلال الروماني ثم الغزو العربي الذي غير الثقافة المصرية واللسان والمعتقد غير أن مصر القديمة المؤسسة استمرت بتفاعلها مع الوافد فيما أسميه الاستمرارية والانقطاع، الأمن القومي المصري تغير مفهومه أيضا بعد أن أصبحت مصر جزءا من دائرة أوسع، مرة تتبع الأمويين في دمشق،ومرة العباسيين في بغداد، لكن مضمون مصر كان يغري ولاتها بالاستقلال، هكذا ظهر أحمد بن طولون، ثم استقلت مصر مع الفاطميين ثم المماليك حتي هزيمة مرج دابق التي أصبحت بعدها مصر مستعمرة عثمانية ولم يمنع تردي الأحوال من محاولة للاستقلال قادها علي بك الكبير وفشل لكن محمد علي نجح فيها وأسس الدولة الحديثة وعمادها الجيش.