‎ماذا تنتظرون.. وماذا تتوقعون من مجتمع أصيب في مقتل.. أرجوكم.. انقذوا ما تبقي من هذا الوطن

‎أثار حادث مصرع ١٧ مواطنا في إطلاق رصاص وقنابل مولوتوف علي رواد ملهي ليلي بحي العجوزة.. الكثير من التساؤلات المصحوبة بعلامات الاستفهام.
‎لن نتحدث عن الجانب الديني في الحادث.. رغم أن الكل يدرك مدي التناقض بين هذا النشاط برمته مع أي دين مهما كانت المبررات. حتي لو كان الأمر متعلقا بتنشيط السياحة لأن كل رواد تلك الأماكن تقريبا من المصريين.. ومن طبقة محددة ومستوي مهني وثقافي معروف للجميع.. من منا شاهد فيلم كباريه لفريق الإنتاج والتأليف والإخراج لفيلم الفرح أو الليلة الكبيرة الذي يعرض حاليا.. كان يتساءل : « هوه فيه كده في مصر «.. الإجابة هي : « فيه كده وفيه كده وفيه كده».. النماذج الموجودة في الفيلم هي النماذج التي تتردد علي تلك الأماكن.. وبعضها بشكل دائم ويومي.. والجو الذي صوره الفيلم هو بالطبع الجو الداخلي للمكان.. والعلاقات التي تحكم العمل.. والقصص المأساوية للعاملين ونظرة الزبون لمن يعمل بالمكان.. كلها كما جاءت في الفيلم.
‎عرفت مصر الملاهي الليلية منذ زمن طويل.. لكن علب الليل هذه تزايدت وكثر روادها في أوائل القرن الماضي.. مع وجود الاحتلال الإنجليزي وتزايد أعداد الأجانب والباشوات وأثرياء الحرب الذين لم يجدوا مكانا يبعثرون فيه أموالهم إلا في تلك العلب علي أجساد الراقصات.. ولا ننسي أن بعض كبار الفنانين والفنانات بدأوا مشوارهم الفني في تلك الكباريهات. مصر وقتها كانت تنافس باريس في عدد الكباريهات وبعضها كان يحمل أسماء باريسية وتقدم نفس أنواع الخمور والأطباق.
‎لكن الصورة في مصر اختلفت تماما عما كانت في تلك الفترة.. مصر الآن دولة فقيرة.. وفي حاجة إلي كل قرش.. ووجود تلك النوعية من رواد تلك الأماكن جريمة في حق الله والوطن.. والناس. وأي قرش يهدر في تلك الأماكن هو قرش جاء حراما وذهب حراما.
‎قلت إنني لن أتعرض للجانب الديني من الموضوع لأنني لا أملك هذا الحق.. ولكن قلمي ساقني إلي هذه الناحية.. ولكني أقصد الجانب الأخلاقي الذي يجب أن يتحلي به أي مجتمع. وما يزيدني ألما هو أن كل تلك الأماكن الموجودة حاليا تقع في مناطق سكنية.. ومعظمها يحتل الطابق الأرضي في عمارة سكنية لا يعرف سكانها النوم في الليل بسبب الهزات الايقاعية الزلزالية التي تصاحب هزات الراقصات.. ولا يعرف سكانها ماذا يقولون لأبنائهم عمن يخرجون من الدور الأرضي سكاري في الوقت الذي يذهبون فيه إلي المدرسة صباح كل يوم.
‎علي الأقل كانت كباريهات زمان خارج الكتلة السكنية.. ولكنها الآن تقع في وسطها.. وسكان تلك المناطق تقدموا بآلاف الشكاوي إلي المحافظة أو الحي ولكن لا المحافظة تحافظ علي الناس والأخلاق.. ولا الحي عنده حياة أو حياء. وبالطبع فان جزءا من دخل تلك الأماكن يذهب إلي جيوب المصرحين لهم والساكتين عنهم.. وكفي..وربما يكون هذا الحادث البشع فرصة لمراجعة هذا النشاط.. والتصريح بمزاولته.. وإنقاذ المناطق السكنية منه علي أقل تقدير.. فليس هناك في أي مكان في العالم من يفعل ما نفعله نحن في ديننا وأخلاقنا والناس والأطفال.
‎مرتكبو الجريمة.. شباب كان يمكن أن يكونوا صالحين للمجتمع والوطن.. ولكن المخدرات بالتأكيد أكلت عقولهم.. وزادتهم أفلام تاجر اللحوم الشهير ضياعا.. وظهور أبطال مثل عبده موتة وسيد بوخارست وأفلام ومسلسلات أخري كثيرة وأغان مثل مفيش صاحب يتصاحب ومفيش راجل بقي راجل.. كل ذلك جعلنا نقول عن جزء كبير في مجتمعنا خاصة من الشباب يا رحمن يا رحيم.
‎ضحايا الجريمة.. هم ضحايا بكل المقاييس.. ولا أحد يمكنه أن يحاسبهم إلا الله الذي سبحانه وتعالي سيحاسب الجميع. هؤلاء قد يكونون ضحايا أنفسهم ولكنهم أيضا ضحايا شباب مجرم متهور مستهتر.. ضحايا مسئول فاسد مستهتر سمح بوجود ذلك النشاط في تلك الأماكن.. وضحايا مسئول فاسد مستهتر لا يراقب رواد تلك الأماكن من أصحاب المهن العشوائية الذين يربحون أموالا لم يتعبوا فيها ولم يدفعوا مليما واحدا عنها للدولة.. ضحايا مسئول فاسد مستهتر أجبر بعض العاملين والعاملات في تلك الأماكن علي العمل بها بعد أن سدت في وجوههم سبل العيش الكريم.. ضحايا مسئول فاسد مستهتر ترك وحوشا تملك المال ترتع في السينما والتليفزيون وتنتج ما يفسد الذوق والأخلاق وكل شيء. ضحايا غياب القدوة إلا من سياسي متلون أو رجل أعمال متهرب أو نجم مبرشم.. أو مسئول فاقد الأهلية.
‎ماذا تنتظرون بعد كل هذا.. وماذا تتوقعون من مجتمع أصيب في مقتل.. أيها الرئيس.. أيتها الحكومة.. أيها البرلمان.. انقذوا ما تبقي من هذا الوطن.