تلك الحنية التي دفعته لقطع إعارته للجزائر حيث لم يقو علي فراق الأحباب في خطوة اعتبرها البعض وقتها ضربا من الخيال حيث كانت الاعارة حلم كل مدرس

أعتقد أنه لا يوجد في مدينة قنا بشر ولا حجر لا يعرف المعلم والمربي الفاضل عمي العزيز الاستاذ عبد العزيز كما كان يناديه زملائه وتلاميذه الذين تتلمذوا علي يديه أخلاقيا قبل أن يتعلموا منه القراءة والكتابة خاصة في مدرسة قنا الابتدائية المشتركة والتي يطلق عليها اسم الروضة وقد قضي بها معظم عمله بالتربية والتعليم، لن تجد في قنا من لا يعرف أبو علاء كما كان يحلو لجيرانه أن ينادوه،أو بابا عبده كما كان يناديه الشباب والبنات أو جدو عبده كما يناديه الأطفال، ولم لا وقد كان كتلة حنان تمشي علي الأرض وكأنه قد احتكر منابع الحنية فلم يترك لغيره منها شيئا، تلك الحنية التي دفعته لقطع إعارته للجزائر حيث لم يقو علي فراق الأحباب في خطوة اعتبرها البعض وقتها ضربا من الخيال حيث كانت الاعارة حلم كل مدرس.
عندما كان والدي الحبيب يبشرنا ونحن صغار بأننا سوف نغادر الأقصر صباح اليوم التالي لزيارة عمي عبد العزيز في قنا لم يكن النوم يعرف طريقه إلي عيوننا وكنا نقضي ليلتنا أنا وشقيقاتي في كي الملابس والاستعداد للرحلة المنتظرة ونظل ننتظر الصباح انتظارنا لصباح العيد، كيف لا ونحن علي موعد مع العم الحبيب وزوجته الطيبة ام علاء التي كانت تشكل معه التطبيق العملي للآية القرآنية «الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات» حيث يستقبلنا عمي بوجهه البشوش الذي لم تفارقه ابتسامة الرضا يوما بينما تكاد ام علاء تفرش لنا الأرض وردا حقيقة لا مجازا أما عن فرحة أبنائه علاء وسهير وسامية بزيارتنا فحدث ولا حرج حيث نقضي في ضيافتهم يومين أو ثلاثة وما إن نبدأ الاستعداد للرحيل حتي يخيم الحزن علي الاسرة الرائعة ويظل كل فرد من أفرادها يبذل قصاري جهده لاستبقائنا يوما أو يومين زيادة وعندما تفشل الطرق الودية كانت السيدة الطيبة لا تتورع عن فعل أي شيء يعطل عودتنا للأقصر كأن تغلق الباب بالمفتاح وتخفي المفتاح أو تخفي أحذيتنا أو تضع ملابس السفر في الغسالة بحجة أنه لا يصح أن نعود بهدومنا قبل غسلها وكيها وذلك حتي تضمن بقائنا!
كان بيت عمي عبد العزيز فتح الله مبارك في قنا مقصدا لجميع أبناء العائلة المنتشرين في الاقصر والمدن والقري المحيطة بها ممن كانوا يضطرون للسفر إلي قنا لقضاء مصالحهم في أي جهة حكومية حيث كان تلاميذ عمي في كل مكان يتسابقون لخدمته هو وضيوفه وكان عمي لا يفارق ضيفه حتي ينتهي من قضاء مصلحته ثم يصطحبه دون مناقشة لبيته العامر وقد كان يحلو لي مرافقته في أي مشوار بقنا لأستمتع بكمية السلامات والتحيات التي يلقاها أبو علاء حيث كنت أشعر أني بصحبة أمير من امراء الحواديت يحبه الناس حبا حقيقيا.. ما كان أحلاك يا عمي الحبيب عندما كنت تجهز لنا الإفطار بيديك وكأن أصابعك كانت تضفي علي الفول المدمس والبيض المسلوق مذاقا خاصا حتي الجبنة الرومي والعيش الفينو والزيتون كان لهم علي مائدتك مذاقا خاصا لم نتذوقه في أي مكان آخر بعيدا عن شقتك الجميلة في بيت السكري العتيق بقنا.
ولأنه لم يشأ أن يتعب أحدا في حياته أراد الراحة للجميع كذلك في مماته الذي جاء وهو في كامل صحته حيث لم يمرض إلا قبيل وفاته بيومين فقط بعد أن زار كل أهله وأحبابه في قنا والقاهرة وكأنه كان يودعهم قبل أن يستقر في الأقصر حيث زاره كل الأهل من المطاعية والبياضية والبغدادي والروافعة ليفارق عالمنا من نفس المكان الذي شهد مولده بعد أن أوصي بالدفن في قنا بجوار شريكة عمره وبتلقي العزاء علي المقابر دون جنازة، رحمة الله عليك يا عمي العزيز يا من علمتنا أنه حتي أحزاننا يجب أن تكون علي منهج رسول الله صلي الله عليه وسلم، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا عمي لمحزونون وإنا لله وإنا إليه راجعون.