صحيح أن التكنولوجيا مطلوبة في حياتنا ولكن أن تفسد علينا حياتنا وتغير من طبيعة وصفات شبابنا الجميلة، فهذا مرفوض تماما ؟

بالرغم من أهمية وسائل التواصل الاجتماعي بأشكاله المختلفة في حياتنا من الفيس بوك والواتس أب والتويتر وغيرها إلا أن إدمان هذه الوسائل لدي جيل الشباب أصبح يمثل خطورة علي علاقتهم الاجتماعية والإنسانية بالاضافة علي تأثيرها السلبي علي مهارتهم الحياتية وصحتهم النفسية حيث اصبحت هذه الوسائل الحديثة للتواصل إدمانا وجزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية بل بديلا بلا منافس لهم عن اللقاءات الاجتماعية والحوارات مع الغير. وللأسف الشديد أثارني هذا الموضوع بالذات عندما لاحظت إن قطاعا عريضا من شبابنا أصبح مجنونا بالتواصل الاجتماعي من أول ما يستيقظ حتي ينام لدرجة لا يمكن أن تحتمل، كما أنه أصبح لدي قطاع عريض من هؤلاء الشباب والعياذ بالله يعاني من هذا المرض النفسي المسمي «بالتوحد» أو عدم التواصل مع الغير. فمع كل التجمعات العائلية أو التجمعات الشبابية تجد كل شاب أو شابة في عزلة تامة مع أنفسهم منشغلين تماما بالكتابة علي هاتفهم المحمول أو التابلت لا يستمعون لما يدور حولهم من أحاديث وحوارات ولا يرغبون حتي بالمشاركة في أي نوع من الأحاديث مع أفراد العائلة أو مع الغير ولو تطلب الأمر أن يردوا باختصار شديد «بنعم» أو «لا» دون رفع رأسهم حتي للمتحدث، بل اكتراث وبلا حرج، بل أحيانا يظهرون زهقهم بمقاطعتهم وتميل ردودهم للوقاحة أحيانا مثل « أيه المشكلة؟ « ومهما لفت النظر لهم بترك المحمول للتواصل مع الغير لا يستطيعون لانهم أصبحوا مدمنين له، الأمر الذي يثير الاهتمام ودق ناقوس الخطر في مجتمعنا من هذا الزحف التكنولوجي المدمر للعلاقات الإنسانية والاجتماعية وأيضا للمهارات الحياتية والذي جدير أن يحدث بالفعل تغير في سيكولوجية هؤلاء الشباب والأجيال القادمة من صفات وخصال مقرونة به من عواطف جياشة وشخصيات دافئة زكية لماحة إلي شخصيات متبلدة العواطف، وهو عكس طبيعة شبابنا المعروف بخصاله الجميلة الطيبة وعكس تماما ما تربينا عليه في مجتمعنا من بعض الآداب المعروفة حيث يصبح من أشد العيب عدم الالتفات أو سماع المتحدث وعكس ما نعرفه عن آداب الكياسة والمجاملات في المجالس بعدم الرد بنعم أو لا فقط حيث تعتبر كل هذه الصفات دخيلة علينا ومقرونة من المجتمعات الغربية التي تعاني من أنانية التعامل والغربة والانقسام الأسري وزيادة معدلات الطلاق والمشاكل النفسية المتعددة. وعندما أرجع بذاكرتي لجيلي وكيف كانت اللقاءات الأسرية الأسبوعية في بيت جدي وجدتي ثم بعد مماتهم عماتي وخالاتي كيف كان تأثيرهن الإيجابي علينا طوال الأسبوع حيث كنا نستمع لأحاديث الكبار في التشاور في كل أمور الحياة ونتعلم من هذه المجالس ما لا نتعلمه في كتب أو في جامعة هارفارد نفسها، وكذلك أتذكر لقاءاتنا الشهرية مع فريق السباحة بنادي هليوبليس فيما يسمي «اجتماع عائلة السباحة» والتي كان د.علي توفيق رحمه الله مدير فرق السباحة بالنادي ينظمها مع عائلات السباحين، كل يشارك بطبقه المفضل وكيف كنا نحرص وقتها علي هذا اللقاء العائلي حول حمام السباحة بعد الانتهاء من التمارين الشاقة في المساء وكيف يتباري الشباب في خدمة الكبار من أهالي السباحين ونقف احتراما عند قدوم أي أب أو أم ولا نجلس حتي يؤذن لنا بذلك، ونجامل بالابتسامة ونبدي الاهتمام لأي حديث حتي لو ابدينا فهمه. ولا يمكن أبدا أن أنسي مدير النادي وهو اللواء عبد المنعم الشاذلي الملقب « بالباشا» الذي كانت له شنة ورنة، فكان يمر بين أروقة النادي ليس ليراقب النظام في النادي بل يربي أجيالا يعتبرهم أولاده فيمنع لعب الكوتشينه في النادي ويشجع اللاعبين أثناء التمارين ويجلس معنا أحيانا بعد التمرين ليحكي لنا بعض الدروس المستفادة في حياته أو نتبادل بعض النوادر الممتعة. أي جيل هذا ؟ وأي وقت هذا ؟ صحيح أن التكنولوجيا مطلوبة في حياتنا ولكن أن تفسد علينا حياتنا وتغير من طبيعة وصفات شبابنا الجميلة، فهذا مرفوض تماما ؟ ولماذا لا نقلد جدية الغرب في العمل والإتقان وليس في الأمور السلبية ؟ وللعلم فشباب الغرب يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ولكن ليس لدرجة الإدمان مثل شبابنا. هل انشعالنا عن شبابنا وأولادنا في ظل الحياة الصاخبة التي نعيشها وعدم الاهتمام بالجوانب الاجتماعية التي يعتبرها البعض رفاهية الوقت سبب في عزلة هؤلاء الشباب وراء وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل انشغالنا نحن الأمهات بعملنا بمبالغة والجري وراء طموحاتنا سبب في عزوف اولادنا عن التواصل المعتاد في ظل غياب دفء التواصل والحوارات ؟ أعتقد أن جزءا كبيرا من المشكلة يكمن في كل ذلك وأعتقد أيضا أن تركيبة وطبيعة الشباب تغيرت بسبب سرعة الحياة والتعاملات التكنولوجية فأصبح لا يطيق أن يقرأ خبرا مفصلا في جريدة أو كتابا بل يقرأ مختصر الخبر فقط، وأصبح يختصر اللقاءات الاجتماعية بالتواصل والتعليق ففقد النطق والسمع والتنبه وعطل حاسة التنبه والادراك فلا يفهم أمورا كنا نفهمها دون تعلم وهي الكياسة والحنكة والحكمة في التحدث والتصرف. أعتقد أننا بصدد مرحلة تتطلب التوعية المجتمعية بخطورة إدمان التواصل الاجتماعي لدي شبابنا ويتطلب تقنين التعامل معه وقت الراحات داخل مدارسنا وجامعتنا وفي مؤسساتنا أثناء العمل، ويتطلب تقنين ساعات العمل للأم العاملة حتي يتسني لها أن تربي وتباشر أولادها في جميع مراحلهم لكي تمنحهم الرعاية النفسية، ويتطلب اهتمام الأسر بالتواصل الاجتماعي بشكل أبسط وبدون تكليف وتعقيد في ظل الأزمات المالية وضيق الوقت وعدم وجود الخادمات بالمنازل مثلما كان الحال. ومؤكد أن هذا الأمر سيحتاج لبعض الوقت والجهد ولكن لابد أن نجاهد أنفسنا من أجل شبابنا وثروتنا البشرية وهي أغلي ما نملك.