«الإبداع والذكاء الاصطناعى».. دعوة لحفل توقيع أولى مؤلفات «Chat GPT»!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

شاهندة الباجوري

ابتسم وتأنق، فأنت مدعو قريبًا إلى حفل توقيع كتاب.. ومؤلفه «Chat GPT»، لا تقلق عزيزى القارئ، فلم يصبك الخرف، ولا تزال صغيرًا على ألزهايمر، ولست داخل فيلم «I,ROBOT»، ولست وحدك المدعو إلى الحفل، ولكن كلنا مدعوون. 

هل راودتك نفسك يومًا وأنت فى حضرة برامج الذكاء الاصطناعى AI»»، أن تقترح عليه معطيات «prompt» ليكتب قصيدة شعرية أو نوفيلا نثرية؟ لا تندهش.. فأنا فعلتها، واقتحمت ذلك العالم المادى الجامد، فقد أصبح الذكاء الاصطناعى أمراً واقعاً فرضته العولمة بشتى أنواعها، لا سيما الثقافية، فخُصصت له مؤتمرات تدرس إشكالياته مع اللغات، خاصة اللغة العربية.

فخضت معه تجربة، وقمت بتحميل عدد من برامج الذكاء الاصطناعى، واخترت أكثرها شهرة وتحديثًا وهو «Chat GPT»، واقترحت عليه أن يكتب قصيدة عن الأم، كما طلبت منه أن يكتب لى رواية قصيرة «نوفيلا» عن سيدة هجرها زوجها، فتكفلت هى بمسئولية الأطفال، وكانت النتائج كالتالى كما أخرجها لى دون تدخل منى. 

كتبت فى خانة (TAIK TO Gpt): اكتب لى قصيدة عن الأم، فكتب:
«أمى يا حباً أهواه
يا قلباً أعشق دنياه
يا شمساً تشرق فى أفقي
يا ورداً فى العمر شذاه 
يا كل الدنيا يا أملى
أنت الإخلاص ومعناه
فلأنت عطاء من ربى
فبماذا أحيا لولاه
 
تلك كانت نتيجته التى اقترحها، مع العلم أنه لم ينتحل أو يقتبس نصوصًا بدون الإشارة إلى صاحبها، فنسب الأبيات للشاعر «حامد الصفدى».

وعندما طلبت منه مرة أخرى أن يكتب رواية تيمتها «سيدة تركها زوجها»، أخرج لى معطيات فصول رواية بعنوان «صوت القوة والأمل» وبطلتها سارة الشخصية النامية التى ارتكز عليها محور الحدث الروائى.

رواية: «صوت القوة والأمل»
الفصل الأول: الحياة الزوجية السعيدة
تعيش سارة، السيدة الجميلة والمحبوبة، حياة زوجية سعيدة مع زوجها عمر. يتشاركان الأفراح والأحزان، ويعملان معًا على بناء حياة مستقرة لهم ولأولادهم الثلاثة: يوسف ولينا وعلى.

الفصل الثانى: الانفصال المفاجئ
فى يوم من الأيام، يعلن عمر عن رغبته فى الانفصال عن سارة والزواج من امرأة أخرى. تصاب سارة بصدمة كبيرة وتشعر بالخيبة والألم. تبدأ رحلة صعبة للتأقلم مع الواقع الجديد وتحمل مسؤولية تربية الأولاد بمفردها.

الفصل الثالث: قوة الأم والتحديات
تواجه سارة العديد من التحديات فى تربية أولادها بمفردها. تعمل بجد لتوفير احتياجاتهم المادية والعاطفية، وتسعى لتعويض غياب الأب بالحب والاهتمام. تواجه صعوبات فى التوازن بين العمل والحياة العائلية، وتواجه تحديات فى تعامل الأولاد مع الانفصال والتغيرات فى حياتهم.

الفصل الرابع: النجاح والتفوق
بفضل صبرها وقوتها، تنجح سارة فى تربية أولادها بنجاح. يتفوق الأولاد فى دراستهم ويظهرون مواهب استثنائية فى مجالات مختلفة. يصبحون مصدر فخر لسارة ودافعًا لها لمواصلة القتال وتحقيق أحلامها.

الفصل الخامس: اللقاء المصيرى
فى أحد الأيام، يعود عمر إلى حياة سارة بعد سنوات من الانفصال. يدرك أنه أخطأ فى قراره وأن سارة هى الشخص الذى يحتاجه فى حياته. يعتذر عمر لسارة ويعبِّر عن ندمه العميق. تواجه سارة تحديًا كبيرًا فى قبول اعتذاره والتفكير فى إعادته إلى حياتها.

الفصل السادس: القوة النسائية والمغفرة
تتجاوز سارة الألم والغضب وتتمكن من مسامحة عمر. تدرك أنها لا تريد أن تعيش فى الماضى وتفقد فرصة لبناء مستقبل أفضل لنفسها ولأولادها. تقبل عمر بعد فترة من التفكير والنقاش، ويعملان معًا على إعادة الحياة.

إشكالية اللغة التأويلية
تنطلق النظرية التأويلية من وجود عدة احتمالات ومعان وتفسيرات باطنية للغة أو النص الأدبى، وتستند الهرمنيوطيقا التى تُعَدُّ أحد مفاهيم ودلالات نظرية الترجمة، على ثلاث خطوات؛ فهم النص، واستخلاص المعنى، ثم إعادة صياغة النص وإيصال مضمونه من تلك الترجمة.

وربما هذا ما يقوم به الـ«AI» فى الأدب، عندما تقوم بإعطائه عددًا من المعطيات التى يفسرها، ويقوم بتأويلها من خلال مراحلها الثلاث، وبناءً عليه يقوم بعدد من المخرجات التى يظهرها فى شكلها النهائى، بعد أن سبق وتمت تغذيته بها فى شكل بيانات عن طريق الأكواد.

 وهذا ما فعله برنامج «Chat GPT»عندما أعطيته التيمة الرئيسية التى بنى عليها حبكته، وهى قصة الأم التى يتركها زوجها، وتصبح هى المسئولة عن الأطفال، فاقترح علىَّ (حكاية) بعنوان: «صوت القوة والأمل»، واختار العنوان الرمزى ليفتح آفاقًا رحبة للتفسير والتأويل ويشير إلى الإشكالية، فمارس الذكاء الاصطناعى «النظرية التأويلية» حيث قام ببناء الحدث الروائى على عدة تفسيرات واحتمالات، نتجت عنها عدة مخرجات، و قام باقتراح عدد من التيمات، ليفتح أغوار القارئ على تأويلات أخرى، لكنها فى نهاية الأمر تظل محدودة ومقيَّدة. يُلاحظُ من نتائج البحث أن لغة النصوص المقترحة تفتقر إلى الإبداع والأدبية، وتخلو من المعانى الدلالية، وتفتقد خصوصية النص وفلسفة كاتبه، فضلاً عن عدم خصوبة الخيال لديه.

تجربة سباقة
أثناء رحلة البحث فى عالم الذكاء الاصطناعى، وجدنا إحدى التجارب السباقة فى مجال AI، حيث قامت مجلة «رحلة» الأدبية اللبنانية بتصميم حاسوب مدعوم ب الذكاء الاصطناعى، وأجروا معه أول حوار عام 2020، ثم قاموا بتطويره فى عملية معقدة منذ ذلك التاريخ حتى 2022 الذى قرروا فيه نشر نصوص من إنتاجه، وأطلقوا عليه اسم جهيمان الأعجمى.

وبالفعل أعلنت المجلة انضمامه بملء إرادته - على حد قولهم - إلى هيئة التحرير بعد تدريبه على قراءة كتب وروايات مرتبطة بموضوع العدد.

وهنا نتساءل: «هل من الممكن أن يدعونا الحاسوب «جهيمان الأعجمى» على حفل توقيع كتابه قريبا؟!».

العرب و التكويد
يرى أ. د محمود الضبع، أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة قناة السويس، أن الذكاء الاصطناعى يمثل نقلة فى عالم الرقمية الذى وصلت إليه المدونة البشرية حتى الآن، فقد مررنا بثلاث مراحل عبر التاريخ؛ حالة الشفاهية، ثم الانتقال إلى الكتابية، وجاءت الثالثة لتمثل نقلة فى تاريخنا، وهى مرحلة الرقمية؛ أى الانتقال من الكلام المكتوب إلى الكلام المبرمج عبر صيغ التكويد.


والمفاجأة أن التكويد علم عربى الأصل كان يسمى قديمًا بـ«علم التعمية»؛ أى تحويل الرسالة الكلامية إلى رموز يتم إخفاء الرسالة بداخلها، مثل لغة المورس» واللغات التى استُخدمت فى الحروب والتجسس.


وعملية التكويد هى تحويل اللغة من صيغتها المقروءة إلى رياضية لأن الآلة بشكل عام تُبنى على خوارزميات رياضية، وليست على حروف وأصوات، ولذا فإن الذكاء الاصطناعى يعد أحد أشكال التطور الحتمى، حيث كان لا بد للبشرية أن تصل إليه بعد دخولها فى عالم الرقمنة الذى بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضى، وتطور فى الألفية الثالثة، وتحولت كل اللغات العالمية إلى أشكال البرمجة، فظهر الذكاء الاصطناعى، وهو فى أبسط تعريف له» محاولة جعل الآلة تحاكى العقل البشرى» فإذا كان العقل البشرى يكوِّن موضوعات ويطرح أفكاراً، فإن AI»» يحاول أن يحاكى الأفكار الإنسانية، ويستولد أفكاراً جديدة.

وقد مر«AI» بعدة مراحل؛ المرحلة الأولى كانت شكلاً من أشكال برمجة اللغة، أو ما يُسمَّى «اللغويات الحاسوبية»، ثم تطور الأمر باختراع تطبيقات مثل «أليكسا» الذى يرد على الناس عندما تسأله أسئلة، وكان الأمر فى البداية دعابة، ثم بدأ الناس يستخدمونها فى صيغ علمية.

سألت د. محمود الضبع: «كيف ننتج ذكاءً اصطناعيًا؟»، فأجاب: علينا برمجة مفردات وتراكيب لغوية بصيغ احتمالية أو متعددة؛ أى نبرمج لغتنا على التطبيقات الإلكترونية بصيغة المعاجم السياقية، وليست بصيغة المعاجم الإفرادية، فبدلاً من برمجة الجذر اللغوى «كتب» ووضع احتمالاته (كتب، كتابًا، مكتوب، مكتب، كاتب، كاتبة)، نقوم بتحويل الجذر «كتب» إلى صيغ سياقية متعددة مثل: (كتب رسائل حب، رواية كتبت بطريقة مميزة، الكتابة هى سر الروح، المكتوب دائما يصل إلى القلب....) وآلاف الاحتمالات الأخرى.

وتلك هى الخطوة الأولى الأساسية التى لم نفعلها ذلك، عكس الذكاء الاصطناعى فى اللغة الإنجليزية، فإن نتائجه تكون مقبولة، لأنه مرَّ فيها بإصدارين حتى الآن؛ الأول كان مبرمجاً بـ2 ونصف مليون كلمة للصيغ الاحتمالية، وفى الثانى تم برمجة 4 مليون كلمة. 

مقبولة لدى غير المتخصص
يشرح د. الضبع تجربته مع الذكاء الاصطناعى قائلاً: لقد جربت أن أطلب منه كتابة قصيدة ورواية من قبل، لكن النتيجة كانت غير مرضية بالنسبة لى، لكنها قد تكون مقبولة لدى غير المتخصص، لكن المتخصص سيلحظ سطحية الفكرة، وعدم وجود ثراء لغوى أو ذائقة أدبية تتسم بها الأعمال الأدبية، وقد لعبت معه لعبة أخرى، وسألته: من محمود الضبع؟ فكانت الإجابة خاطئة، ثم سألته: ما هى العلاقة بين محمود الضبع والسوربون؟ فأجابنى: تخرج محمود الضبع من جامعة السوربون عام 1960 على الرغم من أنى لم أكن ولدت فى هذا العام ولم أتخرج منها أبدًا، لكنه ربط بين شِقى السؤال، لذا يحذر د. محمود الضبع من استخدامه فى البيانات، لأنه ليس لديه مدخلات، وبناء عليه؛ ليس لديه مخرجات.

وهنا يأتى سؤال مهم: «هل من الممكن أن يعتمد الباحثون على الذكاء الاصطناعى فى المستقبل؟» فأجابنى: نعم، سيعتمد عليه الباحثون خصوصاً وأنهم تربوا مع بداياته، وبالفعل كان لدىّ بعض أبحاث الدراسات العليا والترقى، ووجدت بعض الفقرات من إنتاج الذكاء الاصطناعى.

سألته: كيف يمكن اكتشاف الإبداع البشرى من الزائف؟ فأكد لى أن المتخصص الذى درس تحليل الخطاب يستطيع أن يميز بسهولة بين كلام الباحث وكلام الآلة، فالخطأ البشرى وارد ويتم الوقوف عليه، لكن خطأ الآلة متكرر وملحوظ، ومن السهل اكتشافه.

وأشار د. الضبع إلى أن المترجم عند الترجمة، يبدأ بقراءة العمل كله حتى يحدد نهج كاتبه، ويميز «هل يستخدم الألوان البيانية، أم يميل إلى اللغة العلمية البحتة»؟ وبناء على ذلك يقوم بترجمة النص.

بعكس الذكاء الاصطناعى، فالآلة ليست ذكية لتتبع أسلوب الكاتب، لكنها تقوم بالمخرجات بشكل آلى، فيتضح الفرق بينها وبين أسلوب الكاتب الحقيقى.

وعلى الرغم من اعتبار المصدر الأولى لإنتاج البيانات هو الآلة، إلا أن الإنسان سيظل هو المنتج الرئيسى، لا سيما التى تنتج عن نشاطه الإبداعى ومشاعره الإنسانية التى لا تستطيع الآلة أن تقوم بمحاكاتها، فلا يستطيع الذكاء الاصطناعى ابتكار فلسفة جديدة، أو رؤية إبداعية بمفرده.

ويؤكد د. الضبع أننا فى حاجة مُلِحة إلى برمجة لغتنا وإتقان التعامل مع التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى، الذى أصبح أمراً واقعيًا لا نستطيع أن نقف أمامه، ولا أن نبتعد عنه، لكن علينا أن نواكبه ونستفيد منه، فالمبدع يستطيع أن يأخذ الجانب الإيجابى منه، لا سيما كُتاب السيناريو الذين من الممكن أن يستخدموه فى إيجاد نتائج ونهايات درامية مختلفة، وغير تقليدية، ومتخصصو الفضاء، ومسئولو أحوال الطقس.

سألته عن «السبيل الأمثل للتعامل مع الذكاء الاصطناعى، ومواكبة العصر التكنولوجى»، فقال: لابد أن نحيى ثقافتنا ونحافظ عليها، وندرس الذكاء الاصطناعى بشكل منهجى فى المراحل التعليمية، فضلاً عن الاستفادة من كليات الحاسبات والتكنولوجية التطبيقية فى برمجة لغتنا وثقافتنا بشكل سليم، والأهم هو تربية النشء على الاستعانة به بشكل إيجابى، وليس الاتكال عليه، وفهم مخاطره وأوجهه السيئة كاستخدام البعض له فى السرقات العلمية وحوادث السطو وغيرها من جوانبه السلبية.