من وراء النافذة

"الألزهايمر".. عافاكم الله

هالة العيسوى
هالة العيسوى

"الشباب شباب القلب"، مقولة شائعة هى غالبًا لتطييب الخواطر الكسيرة من أفعال الزمن، لكن الواقع يؤكد أن الشباب هو شباب العقل، وطالما أن الله منّ على المرء بالاحتفاظ بقوة العقل والحكمة مهما اشتعل الرأس شيبًا، وبلغ من الكبر عتيًا، فهو فى نعمة كبرى.

الشيخوخة لها مواصفات علمية وضعها الأطباء ومعظمها مواصفات جسدية ترصد التغيرات التى تطرأ على وظائف الجسم، أما التغيرات التى تطرأ على العقل فتدخل فى تصنيف آخر أطلق عليه العلماء أسماء "الدمنشيا" وألزهايمر بأنواعه أو "خرف الشيخوخة". للأسف لا توجد عندنا إحصاءات دقيقة لعدد المسنين المصابين بأمراض الدمنشيا، أو ألزهايمر. ويقول العلماء إن "الخرف" مرحلة غير طبيعية من مراحل الشيخوخة، لكن احتمال الإصابة به يتزايد مع تقدم العمر، فنحو 5% من الناس فى سن 65 - 74 عاماً يعانون من مرض ألزهايمر، بينما نسبة المصابين بالألزهايمر بين المسنين فى عمر 85 عاما وما فوق تصل إلى نحو 50%. 

المشكلة الكبرى هى أن الابتلاء بهذا المرض لا يؤذى المصاب به وحسب، إنما يمتد أثره السلبى إلى المحيطين به، فتجد أسرًا بأكملها وقد ضربها فى مقتل إصابة عزيز واحد وقد ظهرت عليه أعراض اضطراب السلوك وذاكرة الأحداث القريبة، أو عدم القدرة على القيام بأوجه النشاط المختلفة، أو صعوبة فى اللغة والكلام، أو فى اتخاذ القرارات، أو التعرف على الزمان أو المكان،  بل وعلى أقرب المقربين، والانعزال عن الناس، بل وتحول فى السلوك والشخصية.

كم يصعب عليك أن ترى شخصًا كان ملء السمع والبصر، وذا هيبة ومكانة، يلتف الناس حوله يلتمسون نصيحته وينهلون من حكمته، أو كان حضنًا دافئًا وسندًا، فإذا به فى شيخوخته قد فقد بهاءه ورزانته وأهمل فى رونقه وعاد كالطفل الصغير؛ صورة قاسية هى التجسيد لقول الله عز وجل: "واللَهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ".

مشكلة أهالى مرضى الخرف لا تقتصر على صعوبة إرضائهم أو السيطرة على تصرفاتهم غير المحسوبة، أو حتى تقديم الرعاية المطلوبة لهم على أكمل وجه، بل زادت المعاناة أضعافًا نتيجة تجميد أموالهم فى المصارف سواء كانت إيداعات أو معاشات وعدم القدرة على التصرف فيها للإنفاق عليهم، ومواجهة تكاليف المرض.

وما لم يكن المريض قد أودع توكيلًا فى البنك لأحد أفراد عائلته أيام عافيته، يستحيل على أحد، أيًا كانت درجة قرابته، التصرف فى أموال المريض، أو حتى تجديد بطاقة قبض المعاش.

ولو تكرم البنك بإرسال مندوب للتجديد واكتشف أن المسن المقصود فاقد التمييز، فإنه يرفض أداء المهمة طبقًا للقوانين واللوائح. ساعتها يكون السبيل الوحيد المتاح هو رفع "دعوى وصاية".

ناهيك عن قسوة هذا السبيل وجحوده، فإن طول أمد التقاضى، ينهك الأبناء ويستهلك وقتهم ويضاعف أعباءهم المالية. 

المشكلة أصبحت أكثر من مؤرقة لعشرات الآلاف من الأسر المصرية. وهذه الفئة من المسنين تحتاج إلى التفكير خارج الصندوق، وإيجاد حلول تكون أكثر إنسانية تمكنهم من الحياة بقدر من الكرامة من حر مالهم، بدلًا من حبسها عنهم وتركها للورثة.