الدكتور أشرف غراب يكتب: حقوق الإنسان.. والادعاءات الزائفة

الدكتور أشرف غراب
الدكتور أشرف غراب

لم أشك يوماً ما في الانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني.. فجميعنا نعرف مدى نظرة الغرب لنا، وما يخططونه لايقاعنا في مشاكل اقتصادية ونزاعات قبلية تقف عائقًا أمام تقدمنا ونهضتنا.. ومن هنا لم أكن مستغرباً عندما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية، حق النقض «الفيتو» ضد مشروع القرار الجزائري الذي كان يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، فالذي أعطى الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لإبادة شعب أعزل بحجة حق الدفاع عن النفس، وسخر له من الإمكانات المادية والعتاد العسكرية والبوارج وحاملات الطائرات والتى لولاها ما كان يمكن أن تستمر حتى الآن؛ فالذي سخر الإمكانيات والدعم لا يمكن أن يحنو ولو بقرار لوقف الحرب.

أكثر من 90 مرة استخدمت فيها أمريكا حق الفيتو كان نصفها أو أكثر لصالح إسرائيل.. ففي تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي كان الموقف الأمريكي الساند والداعم لهذا الكيان الغاصب والمحتل ليس ببعيد.. 
ولم لا وهي أول دولة كانت تعترف بإسرائيل كدولة مستقلة في 14 مايو 1948، عندما أصدر  حينذاك الرئيس الأمريكي هاري ترومان، بيان اعتراف عقب إعلان إسرائيل الاستقلال، وفي نفس التاريخ تم تأسيس العلاقات الدبلوماسية عندما قدم السفير الأمريكي جيمس غروفر ماكدونالد- أوراق اعتماده في 28 مارس 1949، ومنذ ذلك الحين أصبحت إسرائيل ولا تزال، أهم شريك لأمريكا في الشرق الأوسط.

فما حدث بالأمس يتكرر اليوم.. وها هي محطات «الفيتو» الأمريكي الداعم لإسرائيل، لم تتوقف يوماً عن الدفاع تجاه جرائم الإحتلال الصهيوني منذ عام 1948، وحتى الآن.. نعم التاريخ يشهد بذلك.. حيث تستخدم واشنطن حق «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة؛ لمنع أي قرار يدين الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب، حتى إذا أجمعت باقي دول المجلس على تأييد قرار بعينه، كل هذا غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ، فالدعم الأمريكي لإسرائيل لم يقتصر فقط على استعمال هذا الحق- أقصد «الڤيتو»، ولكن وصل الأمر إلى الدعم المادي ببذخ، بما يقارب 26.4 مليار دولار من الدعم المالي والعسكري لإسرائيل، وكأن أمريكا تقول لإسرائيل استمروا في مخططكم فإننا لن ندير ظهرنا لكم فالعتاد والمال والدعم أمامكم، ولتسقط كل الادعاءات الزائفة حول حقوق الإنسان، التي دائماً ما يتغنى بها الغرب إذا تعلق الأمر بإسرائيل.

في إشارة إلى أن مجلس الأمن الدولي- المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين طبقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لم يعد قادراً على تطبيق حفظ الأمن نزولاً لرغبة أمريكا.
حتى أنه في غضون عام 1982 استخدمت واشنطن حق الفيتو 7 مرات في عام واحد، لصالح الكيان الصهيوني، وجميعها كانت مشاريع قرارات تدين الممارسات الإسرائيلية القمعية ضد الفلسطينيين والعرب، حتى أنه في فبراير 1983، استخدمت هذا الحق ضد قرار يستنكر مذابح مخيمي اللاجئين الفلسطينيين في «صبرا وشاتيلا» بلبنان، لتحمي بذلك جرائم هذا الكيان المحتل التى تطارده العدالة الدولية ويحاصره العالم فى الأمم المتحدة فلا تجد واشنطن سوى «الفيتو» الأمريكى سنداً لها والدفاع عنها؛ ليبقى مجرموا الحرب الإسرائيليون وسفاحوا الدماء فى مقاعد الحكم بدلاً من قبوعهم في زنازين السجون.

أنتقل بكم من مجلس الأمن إلى أمريكا.. الراعي الرسمي لهذه الحرب، وإن صح التعبير «الحرب بالوكالة»، إلى الداخل الأمريكي الذي انتقل لهيب هذه الحرب إليه، والذي أظنه أنه لن تنطفئ نيران هذا اللهب إلا إذا تراجعت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن عن دعمها، وأوقفت هذه الحرب.
حيث ما زالت الاحتقانات والاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة على الحرب في غزة، تتصاعد وتتسع نطاقاتها مع إقامة عدد من المخيمات في الجامعات المرموقة عالمياً، منها جامعات كولومبيا وييل ونيويورك وتكساس في أوستن، وجنوب كاليفورنيا وفرجينيا للتكنولوجيا، وهارفرد وبال وبرينستن، وغيرها.
حتى وصل الأمر في جامعة جورج واشنطن في قلب العاصمة الأمريكية، رأينا تمثال جورج واشنطن- أول رئيس أمريكي، قد لُف بالعلم الفلسطيني حول جبهته، في دليل واضح للتنديد بالدعم العسكري الذي تقدّمه الولايات المتحدة الأمريكية للغاصب والمحتل، والوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، رافضين أن يكون القرار الأمريكي رهينة لدي مجرمي الحرب وقاتلي الأطفال والنساء والشيوخ، ومدمري الأوطان..

الأمر الذي جعل قيام إدارة تلك الجامعات إلى استدعاء الشرطة واعتقال المتظاهرين، في إشارة إلى حالة الغضب داخل المجتمع الأمريكي الرافض لسياسة حكومته الداعمة للكيان الغاصب.. نعم بالفعل هناك طلابا وأساتذة في تلك الجامعات يواجهون قنابل الغاز والرصاص المطاطي، في محاولات لقمعهم عن رأيهم الرافض لإدارة وسياسة بايدن الداعم لإسرائيل.


الناظر للمشهد الآن، يرى أنه ليس الموقف الأمريكي فحسب.. بل هناك أيضاً عدة دول موقفها بدلا يختلف عن الموقف الأمريكي، فالموقف البريطانى والموقف الفرنسى والألمانى والإيطالى وغيرهم داعمين بكل قوة للكيان وللإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل..
وللحق أقول، لست مستغرباً أيضاً عن تلك المواقف، فهم غُزاة الأمس، هم من احتلوا بلادنا ونهبوا ثرواتها وخيراتها، فليس من المُستغرب أو الجديد عليهم أن يُساندوا هذا العدو الغاصب.

ولنا كلمة:
كلما كان الظلم أكثر كلما كان الزوال والهلاك أقرب وأعجل؛ فدولة الظلم ساعة ودولة الحق باقية إلى قيامة الساعة.