مكتبات الأدباء.. للإهداء أم للبيع ؟!

سلوى بكر و يحيى مختار وعادل أسعد الميرى
سلوى بكر و يحيى مختار وعادل أسعد الميرى

المكتبات الخاصة بالمثقفين هى كنزهم، فلكل كتاب نادر حكاية، كيف جرى اقتناؤه، وما مثله للمثقف من أفكار ومشاعر، لكنه أيضا هاجس ملح لدى الكثير من المثقفين، والقليل منهم الذى وجد مكانا يحتضن مكتبته الخاصة، ويحافظ عليها، أما الأغلبية فيعيشون مع مخاوف وأسئلة؛ أين سيذهب هذا الكنز بعد غياب صاحبه؟ وكيف يمكن أن يكون متاحا للباحثين والمهتمين، ولا يلقى به على الأرصفة، أو يقع فى يد من لا يقدر قيمته؟ وهل من السهل أن يهدى المثقف مكتبته إلى جهة ما؟ أم أن هناك إجراءات معقدة وعراقيل قد تقف أمام ذلك؟

 بدأ الروائى الكبير يحيى مختار علاقته بالكتب منذ دراسته الإبتدائية حيث كانت المدارس فى الأربعينات والخمسينات من القرن الماضى تهتم بالمكتبة والقراءة ثم جمع روايات «الهلال» القديمة، وأعداد مجلة «المختار»، وما زال يحتفظ بها حتى اليوم، إلى جانب عدد كبير من الكتب عن «النوبة».. مسقط رأسه، ومحل اهتمامه الأدبي، حتى امتدت المكتبة، واحتلت جزءا كبيرا من شقته القديمة.

اقرأ أيضًا| بمناسبة اليوم العالمي للملكية الفكرية| قرصنة الكتب .. خطر مستمر

ويضيف مختار بعد وفاة الناقد الشهير د. محمد مندور، أراد صاحب شقته تأجيرها، فألقى بمكتبة «مندور» إلى الشارع!  «وهذا آلمنى للغاية».. وكان لهذه الواقعة أبلغ الأثر على مخاوف «مختار» على مصير مكتبته المستقرة فى شقة إيجار، حيث إن بناته غير مهتمات بالمجال الثقافى، ووارد أن يتخلين عنها وفقا لظروفهن، وربما تتحول بالنسبة إليهن إلى عبء، مما دفعه إلى التفكير فى إهدائها لجهة ما، ويقول: «قبل أن تباع لسور الأزبكية أو بائعى «الروبابيكيا»، أرغب فى إهدائها إلى جهة تصونها، لتنفع الناس، كما نفعتنى، ونفعت أصدقائى الذين كانوا يستعيرون منها الكتب».

وقد بدأت محاولاته بمكتبة الإسكندرية، التى ردت عليه بعد فترة ليست بالقصيرة، بأنهم سيرسلون إليه من يقوم بتصنيف المكتبة، وتحديد ما يحتاجون إليه منها، مما يعنى أنهم لن يحتفظوا بالمكتبة كاملة بأسمه، مما أثار استياءه ورفضه، ويضيف يحيى: «اقترحت نقلها إلى إحدى الجمعيات النوبية المنتشرة فى القاهرة، لكن مقراتها ضيقة، وليست هناك الخبرة الكافية للحفاظ على مكتبة، وفتحها للقراءة والإستعارة» من هنا برزت فكرة أن أسلمها لقريتى النوبية، «الجنينة والشباك» ، لخدمة أهالى النوبة، لكن المشكلة تكمن فى نقل الكتب، وتوفير المكان الملائم لها ويمضى «مختار» قائلاً: «لا توجد خدمات ثقافية ملائمة فى قريتي، لذلك أتطلع إلى أن تكون مكتبتى نواة لمشروع ثقافى خدمى هناك، وأتمنى أن أجد جهة ما تتحمس لذلك، فالمدن الكبرى لا تحتاج إلى كتب ولا مكتبات، لكن قريتى تحتاج، فالقراءة يمكنها أن تحمى شبابها وتطور أفكارهم وتنمى وعيهم.»

البيع بدلا من التبرع
وتؤكد الأديبة الكبيرة سلوى بكر، الحاصلة على جائزة الدولة التقديرية، أن الحفاظ على المكتبات هو هاجس كل المثقفين الكبار، ومشكلتهم العويصة وتضيف: «أنا شخصيا قررت أن أبيع مكتبتى شيئا فشيئا، لأن التبرع بالمكتبات لا يبشر بالخير، أو بمستقبل مشرق لهذه الكتب القيمة» فى مكتبة «سلوى» كتب ومراجع نادرة مطبوعة فى القرن التاسع عشر، وتجد أن الباحث أو المثقف المهتم سيتوجه إلى بائعى الكتب القديمة، وينتفع بها، لكن الكثير من المؤسسات التى تهدى إليها الكتب تهملها، وتضعها فى مخازن، لا يستفيد منها أحد، وتقول: لا أريد أن يكون مصير مكتبتى قاعة مظلمة. أعرف كثيرا من الذين تبرعوا بمكتباتهم، ولم تر النور» وتتساءل الأديبة الكبيرة عن مكتبات الأحياء، ولماذا لم تعد موجودة، ويمكن تغذيتها بالمكتبات الخاصة بدلا من المخازن، وتقول: «أتمنى أن أكون مخطئة ولا يكون الأمر كذلك، لكن زيارة إلى مكتبات قصور الثقافة المنتشرة فى المحافظات تكشف تهافت الكتب الموجودة بها، فلا كتب قيمة، ونادرة فيها، أو فى المكتبات العامة، فلما لا توضع فيها مكتبات المثقفين لتنتفع بها الأجيال القادمة» وتضيف «سلوى»: «سأبيعها ليس بحثا عن مال، لكن أين الجهة المستأمنة؟ فما مصير المكتبات الخاصة فى دار الكتب، وفى الجامعات على سبيل المثال! كتب نادرة كثيرة تبرع بها مثقفون لأماكن مختلفة، وتقبع ما بين المخازن وما بين المكتبات فى الخليج!» وتوصى «سلوى بكر» بإصدار قانون مطبوعات ينص على أن أى كتاب مر عليه مائة عام يمنع خروجه من البلاد.

متاحف ومكتبات كان الأديب البارز عادل أسعد الميرى خارجا من شقته حين وجد كتبا نادرة ملقاة على الرصيف أمام العمارة! ويقول عن ذلك: كانت مكتبة جارى الراحل د. بدوى العلمية الضخمة ملقاة على الرصيف، وهذا كان أمرا مخيفا جدا بالنسبة إلي» مكتبة «الميرى» تضم كتب مصريات نادرة باللغة الفرنسية، ويقول: خائف على المكتبة، وليس لدى أفكار محددة عن كيفية حمايتها، ربما جهة أو شخص مستأمن ولديه مكان، أعرف أن هناك من يهدى مكتبته إلى مكتبة الإسكندرية على سبيل المثال، لكن هل هناك مكان يكفى لكل المثقفين!»، ويشير «الميرى» إلى تجارب فى بلدان أخرى مثل فرنسا، ويقول: لدى صديقة فرنسية أشترت شقة لمكتبتها، وأهدتها إلى الحكومة الفرنسية لتحويلها، إلى متحف أقنعة مسرح صينية ومكتبة مفتوحة للزيارة» كان سهلا على صديقته أن تحافظ على مكتبتها بينما يجد «عادل» أنه ليس سهلا إهداء مكتبته الضخمة، لأنه ليس لدينا حس الحفاظ على المكتبات.