إنها مصر

قراءة متأنية للموقف المصري

كرم جبر
كرم جبر

شكرًا لرئيس مصر والمفاوضين المجهولين، الذين استطاعوا فى توقيت حاسم وقف مذبحة اقتحام رفح الفلسطينية، وكان نتنياهو على وشك تنفيذها، ولم تتوقف تهديداته وحذَّرته مصر من النتائج الخطيرة ونجحت الصفقة المصرية.

الأحداث تتلاحق بسرعة والنجاح الذى حقّقته مصر، أمس، هو ثمرة لجهود لم تنقطع، للتوصل إلى اتفاق خلال الأيام القادمة، بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، وفتح أفق جديدة للتسوية السياسية، بعد أن كانت إسرائيل على وشك عملية عسكرية كبيرة.

وسيعلم الجميع كم كان الموقف المصرى شريفًا، ولم يناور ولم يخادع وإنما وضع نصب عينيه هدفًا واحدًا هو إنقاذ الشعب الفلسطينى من أهوال المجازر الإسرائيلية، وإعادة إحياء الأمل فى دولته المستقلة.

الأيام بيننا، وسوف يكتشف العالم بعد انتهاء الحرب فى غزة، أن الدمار الذى فعله نتنياهو، أكبر بكثير من الخسائر التى ارتكبها النازى فى ألمانيا من الإبادة الجماعية حتى قتل النساء والأطفال والمرضى وهدم المستشفيات وكل شىء فوق الأرض، فأصبحت غزة غير صالحة للحياة، وأكثر من 34 ألف شهيد، و120مقبرة جماعية، وشهيد كل 4 دقائق.

وتؤكد مجريات الأحداث منذ اندلاع الصراع، كم كانت الجهود المصرية حاسمة فى تغيير رؤية دول العالم خصوصًا الغرب تجاه التهجير، وبمرور الوقت اقتنع الجميع والولايات المتحدة برفض الفكرة واستبدالها بحل الدولتين، والهدنة وتبادل الأسرى والرهائن.

وأثبتت نتائج الحرب فى الشهور الماضية أن الشعب الفلسطينى متمسك بأرضه، وسيتصدى لخطة نتنياهو لإقامة مناطق عازلة فى شرق ووسط غزة، ووضع أكثر من مليون فلسطينى فى خيام، قبل القيام باقتحام رفح الفلسطينية، متحججًا بوجود أربع كتائب مختبئة تابعة لحماس.

وأسفرت الجهود المصرية عن وضع المجتمع الدولى أمام مسئوليته تجاه تهديدات نتنياهو، والدعوة لوقف إطلاق النار وبدء الإعمار، ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى، وظل الموقف المصرى قويًا وصلبًا، ويؤكد الرئيس السيسى لقادة وزعماء العالم بأن الحل لن يكون فى التهجير وتوسيع نطاق الصراع ولا بديل عن حل الدولتين.

وبقراءة متأنية للتصريحات المصرية التى تتسم بالعمق والهدوء، فكل الشواهد تؤكد دراسة كافة الاحتمالات تبعًا لتطورات الأحداث، وتحذير إسرائيل بشدة من التداعيات الخطيرة للاقتحام، واقتصار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلى على الهدنة ووقف الحرب، ولم تتناول مسألة التهجير المرفوضة تمامًا.

المأساة لا يتم علاجها بمأساة أكبر لسكان غزة الذين مر عليهم الشتاء القاسى، وما أدراك ما برد الصحراء والجوع والمرض والأوبئة وأهوال القصف بكل أنواع الأسلحة.

ويواجهها أهل غزة بجلد وصبر، تحت غارات الطيران والصواريخ والدبابات والأسلحة المحظورة دوليًا، التى تستهدفهم ومدنهم وشوارعهم وبيوتهم، فلم يكن أمامهم إلا الصبر على غارات الموت والحياة البائسة.