الموقف السياسى

شجاعة القرار

محمود بسيونى
محمود بسيونى

سيناء .. أرض التجلى الأعظم والبقعة المباركة اختار الله سبحانه وتعالى أن يحميها الشجعان، أينما تولى وجهك فى الكتب السماوية، لن تجد أرضا باركها المولى عز وجل مثل أرض الفيروز، كل شجرة وكل ذرة رمل مقدسة، سار عليها الأنبياء والرسل فى رحلتهم نحو الإيمان.

هى حدودنا المقدسة العصية على الاحتلال أو التلاعب أو المتاجرة.. دافعنا عنها بأرواحنا ودمائنا.. طابور طويل من الشهداء العظام نتذكرهم بكل عزة وفخر.. فقد حرروا الأرض وحموا العرض.. بطولات وملاحم تمنحنا الأمل وتقذف الوهن فى قلوب الأعداء.

حررت الأرض بعزيمة الأبطال فى أكتوبر 1973.. تفوق المصريون فى معركة السلاح.. حضرت العسكرية المصرية وفرضت أسلوبها وحققت المعجزة بظروف وتحديات زمنها وأضافت إلى العلم العسكرى صفحات جديدة بتوقيع المصريين وصنعت مجدا يليق بأقدم دولة وجيش نظامى على مر العصور .

فى الذكرى 42 لتحرير سيناء وعودتها كاملة لأحضان مصر يجب أن أتوقف إجلالاً واحتراماً أمام سيرة الزعيم الراحل، بطل الحرب والسلام محمد أنور السادات، المنتصر وهو فى رحاب الله، شجاعة قرار الحرب وقرار السلام أكدت أنه سبق عصره، وأنه كان يرى فى أكتوبر 1973 ما يحدث فى عصرنا الحالى، تحرير الأرض بالحرب والسلام هى المعادلة الصعبة لانتصار مصر وعودة كامل الأرض ورفع العلم المصرى، القرار الذى مكن مصر من البقاء موحدة على كامل حدودها وفتح المجال أمامها لمساعدة اشقائها العرب بدلاً من الانكفاء على نفسها.

تجسدت شجاعة السادات فى اتخاذ قرار الحرب رغم الصعوبات والأزمات، تحمل كتب التاريخ وشهادات المعاصرين لتلك الحقبة شجونا تثقل حمل صانع القرار، اقتصاد حرب وتدهور فى مستوى المعيشة، وشباب يقف على خط النار ينتظر أمر اقتحام الموانع الصعبة، لكن السادات راهن على كبرياء المصريين وكان رهاناً صائباً بتحقيق الانتصار وتحرير الأرض.

قرأ السادات بواقعية شديدة خريطة القوى الدولية وقرر وضع مصر فى مكانها الصحيح، واستكمال نجاح العبور بنجاح آخر فى مضمار السلام وتجلت شجاعة القرار فى توقيع معاهدة السلام واستكمال تحرير الأرض حتى آخر حبة رمل دون الالتفاف لتحذيرات من أحد أو تراجع أمام ابتزاز تجار الشعارات أو تجار الدين أو تجار الأوطان.

توقفت الحرب وتنفست مصر الصعداء لكن ظلت سيناء مهمشة بدون تنمية حقيقية أو عمران ومع مرور الوقت ظهرت تهديدات من نوع مختلف كان أخطرها أن تتحول إلى وطن بديل للأشقاء الفلسطينيين حال نجاح الخطة الإسرائيلية لتهجيرهم قسريا نحو أرض سيناء.

اشتد الخطر على سيناء فى سنوات الفوضى وخروج التنظيمات الإرهابية إلى السطح فى أعقاب أحداث 2011 عادت إلى مربع التهديدات خلال حكم التنظيم الارهابى، استبد القلق والخوف قلوب وعقول المصريين خوفا على الأرض المقدسة، أطل الإرهاب بوجهه القبيح مدعوما من تنظيم الإخوان الإرهابى وتنظيمات أخرى خارج الحدود، حتى جاءت لحظة الخلاص برفض المصريين لحكم التنظيم الإرهابى وانطلاق ثورة 30 يونيو 2013 وشجاعة قرار الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع أنذاك بالانحياز لمطالب المصريين ثم التفويض بحماية مصر من الإرهاب وفى القلب من كل ذلك دحر الإرهاب فى سيناء وبسط الدولة لسيادتها على كامل ترابها.

وخلال سنوات مكافحة الإرهاب اتخذ الرئيس السيسى قراراً شجاعاً فى أواخر عام 2014 بالإعلان عن خطة متكاملة لتعمير شبه جزيرة سيناء بمد شرايين التنمية إلى شمالها وجنوبها فى نفس توقيت المواجهات مع التنظيمات التكفيرية، كانت يد تمسك بالسلاح ويد ترصف الطرق وتبنى المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات ومحطات المياه والكهرباء .

وخلال عشر سنوات من المواجهة وتضحيات عظيمة قدمتها القوات المسلحة والشرطة تمكنت الدولة من تحقيق انتصار جديد على أرض سيناء واقتلعت جذور الإرهاب وعمقت الدفاع عنها بمد سياج حدودى قوى مع قطاع غزة لقطع الطريق أمام مخططات التهجير القسرى تحت أى ظرف.

أنفقت الدولة مليارات الجنيهات على تقديم تنمية تلائم احتياجات سيناء، وربطها بشكل كامل بالدلتا والوادى عبر طرق سريعة وأنفاق وخط سكة حديد وأنشأت الموانئ وطورت البنية التحتية بشكل كامل لتهيئة الظروف من أجل استدامة التنمية وجذب الاستثمارات وتغيير واقع سيناء بالكامل .

يجب ألا نغفل أيضاً دور قبائل وعائلات سيناء الوطنى المشرف ويكفى أن نتذكر بطولة المجاهد السيناوى سالم الهرش فى مؤتمر الحسنة عام 1968 حينما واجه موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى وقضى على محاولة تدويل سيناء وقال فى وجه قوات الاحتلال إن سيناء مصرية 100٪ ولا أحد يملك الحديث عنها سوى الرئيس جمال عبد الناصر، تلك البطولة استمرت طوال سنوات الاحتلال، وخرج من عائلات وقبائل سيناء أبطال المقاومة من منظمة سيناء العربية الذين أشعلوا المواجهات مع قوات الاحتلال حتى تحقق الانتصار فى حرب أكتوبر، ثم استكملوا دورهم الوطنى فى معارك دحر الإرهاب وقدموا تضحيات عظيمة سجلت بأحرف من نور فى سجل الشرف الوطنى.

قدر سيناء ألا تتوقف التهديدات ومحاولات التحرش، وبدأت قوات الاحتلال الإسرائيلى فى ترديد أكاذيب حول تهريب السلاح والأفراد عبر الأنفاق إلى سيناء، إسرائيل تكذب كما تتنفس وتحاول الوقيعة بين مصر وحلفائها الدوليين.. ومن جانب آخر مع أشقائها الفلسطينيين.

تتعامل إسرائيل مع فشلها بارتكاب المجازر الجماعية ولصق الاتهامات بمن حولها، أول دليل على الفشل كان إعلان استقالة اللواء أهارون هاليفي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بعد اعترافه بالفشل فى توقع هجوم 7 أكتوبر، قدمته حكومة بنيامين نتنياهو كبش فداء لفشل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية فى مواجهة الهجوم وكذلك فشل العملية العسكرية فى قطاع غزة، وعدم قدرتها على  استعادة الرهائن، فيما تبحث قوات الاحتلال عن فشل جديد فى رفح الفلسطينية.

تتهرب إسرائيل من أسئلة داخلية ساخنة مثل: من ساعد حماس على إضعاف السلطة الفلسطينية؟ لماذا تفاخر نتنياهو علنا بدعمه لحماس بالمال؟ ومن سمح لها ببناء الأنفاق والإضرار بمصر طوال السنوات السابقة على تدميرها من الجانب المصرى؟ وكيف وصل السلاح الإسرائيلى لعناصر حماس ولماذا لم تواجه إسرائيل مافيا تهريب السلاح طوال السنوات الماضية؟

ولا يخفى على أحد أن إسرائيل تتألم من الموقف المصرى الصلب والواضح من إدانة العدوان دبلوماسيًا وإعلاميًا، ونجاح مصر فى صنع رأى عام عربى ودولى رافض لاجتياح رفح الفلسطينية.

قرارات الرئيس السيسى الشجاعة والحكيمة حمت سيناء ومصر من الانجرار إلى حالة الاقتتال الإقليمى، وقدمت يد العون إلى الأشقاء داخل قطاع غزة بمخيمات الإيواء والمستشفيات الميدانية وإرسال الجرحى للعلاج فى المستشفيات المصرية، وجندت كل إمكانياتها من أجل تقديم المساعدات إلى القطاع وحماية القضية الفلسطينية والمحافظة على حلم الدولة الفلسطينية بتحركاتها الدولية واتصالها بكل الأطراف.

تعيش سيناء فى روح ووجدان كل المصريين، يربطهم بكل حبة رمل شهيد ضحى بحياته من أجل حرية بلاده، شعب حر على استعداد دائم للقتال من أجل بسط سيادة دولته على كامل حدودها، ويحميها شجاعة القرار الوطنى من الرئيس السادات إلى الرئيس السيسى.