إنها مصر

الانتصار مفتاح السلام

كرم جـبر
كرم جـبر

كان مستحيلاً أن يتحقق السلام بدون الحرب، وبحجم الانتصار تكون المكاسب، وتنعكس القوة على أرض الواقع فى غرف التفاوض، فلا أحد يقدم بقشيشاً لأحد.

المنتصرون يتفاوضون وهم مرفوعو الرأس والهامة، ولا يشعرون بخجل أو بعقدة نقص، ويطالبون بحقوقهم المشروعة وهم فى منتهى القوة والإصرار.

هكذا كان المفاوض المصرى الذى استثمر كل أوراق القوة التى تحققت فى انتصار أكتوبر ليحصل على أرضه كاملة دون أن يفرط فى شبر واحد.

كان البعض يراهن على أنه باستطاعة إسرائيل أن تفعل بسيناء مثلما تفعل فى غيرها من الأراضى المحتلة.. مماطلات لا تنتهى ومحاولات مستمرة لتوسيع مساحة المستوطنات، والتهام ما يمكن التهامه من أراضٍ، ولكنها لم تهنأ بالراحة لحظة واحدة، وتحولت الأرض تحتها إلى سجادة من نار، وسيناء هى فوهة البركان الذى يقذفها بالغضب.

وإسرائيل لم تتحمل الثمن الفادح، لأنها لا تقدر أن تعيش فى حالة حرب لسنوات طويلة، ولا تستطيع أن تتحمل الحرب المؤجلة والسلام الذى لا يجىء، وأدركت أن مصر هى رمانة ميزان الحرب والسلام، وأنها الدرع الواقى الذى يصون الأمن والاستقرار فى المنطقة.

اكتسبت مصر الثقة، لأنها تتحمل عبء القضية الفلسطينية وتقف على مسافة واحدة من الفصائل وتعمل لصالحهم، دون أغراض أو أهداف شخصية.. ولولا حرب أكتوبر لكانت الدنيا غير الدنيا والتاريخ غير التاريخ ومصر غير مصر، فالانتصار الذى تحقق هو الذى فتح الطريق نحو بناء الدولة من جديد.

هل تذكرون مدن القناة التى تحولت إلى جبهة للقتال، وتم تهجير سكانها، وأصبحت مدناً للأشباح، تنتظر ساعة الخلاص وعودة الروح والأمل والحياة، وهل تذكرون سيناء التى كانت تئن تحت وطأة الاحتلال وأحلام إسرائيل بأن تبقى فيها إلى الأبد، واستنزفت ثرواتها ونهبت خيراتها ومواردها الطبيعية؟

مارسوا ضد مصر والرئيس السادات أبشع أنواع الحروب، من الاتهام بالعمالة حتى التخوين والتشكيك فى الوطنية، ولكن الرجل لم يخضع لأى ابتزاز من أجل مستقبل وطنه، وكان السادات يعلم جيداً أن القضية يمكن أن تستمر بلا حل سنوات طويلة، مما يعنى أن تظل البلاد مرهونة للحرب، ولن تبنى طوبة واحدة ولن تزرع شبراً جديداً.

وصلت المأساة ذروتها بعد أن أعلنت ما سُمى دول الصمود والتصدى الحرب ضد مصر بدلاً من إسرائيل، ووصل التآمر إلى حد العمل على تجويع الشعب المصرى وحصاره ومطاردته فى كل مكان، وهل تذكرون القطيعة العربية، ونقل جامعة الدول العربية إلى تونس والحرب الإعلامية القذرة ضد مصر وشعبها.. هل تذكرون الشماتة والتشكيك والتشويه والأعمال الانتقامية؟

لم يدخل السادات الحرب من أجل ويلاتها وخسائرها، ولكن ليحقق لشعبه السلام، لهذا أقدم بقلب فولاذى على إبرام معاهدة السلام، التى هى ثمرة الحرب الكبري، واستردت أرضها مصر واستعادت كرامتها وحافظت على كبريائها الوطنى، وحققت سلام الشرفاء، دون أن تقدم أى تنازلات أو أن تسمح للعدو بتحقيق أى مكاسب.