أول سطر

زهرة الورود وأنس الوجود

طاهر قابيل
طاهر قابيل

ذهبت إليها أكثر من مرة فى رحلاتى إلى محافظة أسوان لأستمتع وأقضى يوماً بأرض المتعة والجمال على مقربة من حدودنا.. كانت قديماً إحدى أقوى حصوننا الجنوبية، وتفصل نهر النيل إلى قناتين معاكستين، وأطلق عليها جدودنا قدماء المصريين «بر إى لق»، أو بيلاك، والتى تعنى الحد أو النهاية.

تقع جزيرة فيلة على بعد 4 كيلومترات من خزان أسوان، وتتوسط مجرى النيل، وهى همزة الوصل للربط مع جارتنا السودان، وهى بوابتنا للقارة الإفريقية، وبها الصخور الجرانيتية الوردية، وتكثر فيها الأشجار والورود والنخيل، وتزينها المعابد الضخمة..

وعرفت بـ «لؤلؤة مصر» التى تضم آثاراً وكنوزاً معمارية من 3 حضارات، وآثاراً قبطية نادرة، وشيدها جدودنا فى بدايات القرن الرابع قبل الميلاد، وأضاف إليها البطالمة والرومان معابد، وعلى جدرانها آخر نصين بالخط الهيروغليفى والديموطيقى، وكانت هى وجزيرة بيجة المجاورة، من أكبر المراكز الدينية فى مصر القديمة...

ويقال إن الملك النوبى «طهراقا» بنى بها أول مقصورة للملكة إيزيس، ثم أقام الملك «نقتانبو» مقصورة لربة الحب والجمال، حيث كان هناك اعتقاد بعثورها على قلب زوجها أوزوريس بعد أن قتله وقطعه أخوه داعية الشر «ست».. وبالجزيرة كتل حجرية تحمل اسم «بسماتيك» و«أحمس».. واستمرت عملية تشييد المعابد والمقاصير والبوابات بالجزيرة حتى بلغت 15 منشآة، منها «معبد الماميزى»، أو بيت الولادة، وملاذ حور.

عندما أقيم خزان أسوان، بدأت المياه تزحف وتدخل المعابد، فتم ترميمها وتقوية أساساتها وجمع الحجارة المتناثرة.. وعند بناء السد العالى أصبح واضحاً غرق معابد فيلة، فتم نقلها إلى جزيرة «أجيليكا» التى تبعد 600 متر عنها، وذلك لتفادى منسوب المياه المرتفع، وإنقاذ المعابد، وذلك بالتعاون مع منظمة اليونسكو..

وتعنى كلمة «فيلة أو فيلاى» بالإغريقية «الحبيبة»، وسمها العرب «أنس الوجود»، نسبة لأسطورة فى قصص ألف ليلة وليلة، تحكى أنه كان لأحد الوزراء ابنة فى غاية الجمال والحسن، اسمها «زهرة الورد»، أحبها أنس الوجود أحد حراس القصر، وأحبت فيه أخلاقه النبيلة التى لم تجدها بأبناء الملوك والأمراء، وعندما علم والدها بحبها أرسلها إلى جزيرة وحبسها، وأحاطها بمجموعة من التماسيح الكبيرة، وأخذ الفتى يجوب البلاد بحثًا عن حبيبته، ويعطف على الحيوانات التى يقابلها، وراحت البلابل تتغنى له، والطيور تتراقص فوقه لتحميه من الشمس، واستأنس الوحوش.. وظل حارس القصر يواصل الغناء ويحكى حكايته، حتى آنست له التماسيح، وحمله تمساح كبيرعلى ظهره، وذهب به إلى شاطئ الجزيرة، ورضخ الوزير فى النهاية لحب أنس الوجود وزهرة الورود، وزوجه من ابنته، بعد أن وجد فيه إنساناً يتسم بالأخلاق والنبل والشهامة... وللحديث بقية..