أصل الحكاية| "فن الرسم بالرمال".. عبقرية التراث والثقافة بمصر الجنوبية  

فن الرسم بالرمال
فن الرسم بالرمال

يعد "الرسم بالرمال" من أبرز الفنون الإبداعية، وجزء لا يتجزأ من تراث واحة الداخلة بجنوب مصر، ويقوم الفنانون هناك برسم لوحات جميلة باستخدام الرمال على سطح مسطح، حيث يخلقون أعمالاً فنية مذهلة تعبر عن ثقافتهم وتراثهم، يتميز هذا الفن بجماله الفريد، والقدرة على إيصال رسائل فنية بعمق وتفاصيل مذهلة، وقد حافظ على شعبية كبيرة كفن تراثي وجذب الكثير من الزوار والمهتمين بالفنون.

ويعتبر أحمد وهبة، وهو أحد الفنانين الموهوبين الذين يستخدمون رمال الواحات الداخلة في إبداع أعمال فنية متنوعة ورائعة، وقدّم أعماله في العديد من المعارض والفعاليات الفنية داخل مصر وخارجها، مساهماً بذلك في تعريف العالم بجمالية هذا الفن التقليدي والفريد من نوعه، نقلا عن موقع "اندبندنت عربية".

ومصر تتميز بتنوع ثقافي وبيئي يعكس تنوعها الطبيعي والتاريخي، يمكن أن تشمل الفنون التراثية في مصر العديد من الأشكال والأنماط، مثل النسيج التقليدي، والنحت على الحجر والخشب، والفخار والسيراميك، والزجاج المنفوخ، والفنون الإسلامية، والعمارة التقليدية، وغيرها الكثير، فكل منطقة في مصر لها طابعها الخاص وخاماتها التي تستخدم في إبداع الفنون، مما يؤدي إلى تنوع مدهش وثراء فني يعكس تاريخ وتراث هذا البلد العريق.

منطقة الواحات الداخلة بمحافظة الوادي الجديد (600 كيلومتر جنوب القاهرة)، هي مصدر إلهام رئيسي للفنانين، حيث توفر الألوان المتنوعة للرمال والصخور مواد فنية طبيعية رائعة لخلق لوحات فنية مميزة، ويستفيد الفنانون من تنوع الطبيعة وجمالها في إبداع قطع فنية تعكس الهوية الفريدة لهذه المنطقة الجميلة، مما يجذب الزوار والمهتمين بالفنون إلى استكشاف واكتشاف جمالياتها.

 وتعد أكبر محافظات مصر من حيث المساحة وتضم مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية والجبال التي تحوي درجات متنوعة ومختلفة الألوان من الرمال والصخور مختلفة الأحجام التي رأت عين الفنان أن تحولها للوحات تشكيلية تعكس ملامح متنوعة من طبيعة المكان.

مسيرة الفنان أحمد وهبة في فن الرسم بالرمال:

تعد مسيرة الفنان أحمد وهبة في فن الرسم بالرمال لافتة وملهمة حقًا، حيث استمر في إبداع أعمال فنية متنوعة ومذهلة باستخدام رمال الواحات الداخلة على مدار عقود وتعكس أعماله المبدعة تفانيه ومهارته في التعبير عن جمالية هذه المنطقة الفريدة، وقد حظيت بالاهتمام والتقدير داخل مصر وخارجها. يُعتبر بلا شك واحدًا من أبرز الفنانين في مجال الرسم بالرمال وقدوة للعديد من الفنانين المبتدئين في هذا المجال.

ويقول وهبة، "عملت بخامات متنوعة ومختلفة بينها الجواش والباستيل، لاحقاً وجدت نفسي في الرسم بالرمال فكنت أبحث عن شيء معين أتميز فيه ويكون خطاً متفرداً عن المتعارف عليه في مجالات الفنون فبدأت في هذا المجال مع بداية التسعينيات وما زلت مستمراً فيه طوال أكثر من 30 سنة، أنتجت فيها لوحات تمثل طابع محافظتي الوادي الجديد وتعكس تراثها الثقافي.

"تفسيرك لعملية اختيار الصخور وسحقها لاستخدامها في تلوين اللوحات مثير للاهتمام حقًا فعلًا، تنوع الرمال والصخور في منطقة الواحات الداخلة يمنح الفنانين مصدرًا غنيًا للألوان والتدرجات اللونية التي يمكنهم استخدامها في أعمالهم، استخدام الصخور المختارة بعناية يعكس حسّ الفنان في توجيه القصة أو الرسالة التي يرغب في توصيلها من خلال لوحته، وهو عنصر مهم في عملية الإبداع الفني".

مشاهد من الواحة

المضمون الذي تصوّره أعمال الفنان أحمد وهبة يعكس بشكل رائع جوانب الحياة والثقافة في منطقة الواحات الداخلة، من خلال تصوير النخيل والصحارى والمشاهد اليومية لأهل الواحة، مثل الحصاد والخبيز، ينقل الفنان تفاصيل حياتهم وثقافتهم بشكل ملموس وجميل، تعكس الأزياء التراثية والتجمعات الاجتماعية الطابع الفريد لهذه المنطقة، وتضيف عمقًا وروحًا إلى أعماله الفنية، مما يجعلها محبوبة ومقبولة لدى الجمهور.

تمر اللوحة الرملية بمراحل متعددة حتى خروجها في الشكل النهائي باعتبار اختلاف طريقة تنفيذها عن الرسم التقليدي بالفرشاة والألوان. 

يظهر العمق والتفاني الذي يضعه في كل تفاصيل عمله، بدءًا من تجهيز الأرضية واستخدام طبقة من الرمال البيضاء كأساس، ثم استخدام الرمال الملونة وتثبيتها بالغراء الأبيض لتكوين اللوحة، ينتقي وهبة مواده بعناية لضمان تجسيد أفضل مشاهد الواحة وتراثها بشكل دقيق وجميل. هذه الطريقة الفنية تعكس الاحترام العميق والتواصل الحقيقي مع البيئة المحلية وتراثها الثقافي، مما يخلق قطعًا فنية فريدة ومعبرة تعكس جمالية وثقافة المنطقة بشكل ممتاز.

ويضيف، " أقوم بتنفيذ اللوحات على نوع معين من الأخشاب يأتي من شجر الدوم وينتشر في البيئة المحلية وله بعد تراثي وتاريخي، فأصل أهل الواحات أنهم رحل جاءوا من مناطق متعددة واستوطنوا المنطقة، فبعضهم جاء من المغرب العربي، وبعضهم من شبه الجزيرة العربية، وجانب منهم نزحوا من مناطق مختلفة من صعيد مصر واستوطنوا هذه المنطقة التي كانت غنية بالعيون الرومانية القديمة، إذ كان يزرع القمح بكثافة في هذه المنطقة ونما بجواره شجر الدوم الذي استخدمت أخشابه في حاجات الحياة اليومية، مثل الأثاث وسقف المنازل، فشجر الدوم إلى جانب كونه معمراً يعد من المفردات المحلية الرئيسة للواحات".

جزء من الهوية

الفنون التراثية بصورة عامة تثير إعجاب الجمهور بخاصة عندما تعرض على أشخاص بعيدين من المنطقة التي تمثلها سواء كانوا في البلد ذاته أو في دول أخرى، وتمثل أحد أوجه التواصل بين الشعوب والتعرف على ملامح من تاريخها وثقافتها.

في هذا السياق يوضح وهبة، " عرضت أعمالي في كثير من المعارض داخل مصر وخارجها ولاقت إعجاب الناس واندهاشهم في بعض الأحيان من إمكانية تنفيذ التفاصيل الدقيقة بالرمال ومن توافر كل هذه الدرجات اللونية، ويحرص البعض على اقتناء اللوحات باعتبارها عملاً مميزاً يختلف عن الرسم بالصورة التقليدية، فإحساس الرمال يعطي اللوحة شكلاً وملمساً مختلفاً لا يستوعبه الناس إلا بمشاهدة اللوحة على الطبيعة، فالصور الفوتوغرافية لا توضح الملمس والتفاصيل الدقيقة للرمال مثل تأمل اللوحة على الحقيقة.

ويتابع " الفنون التراثية جميعها تمثل جزءاً من الهوية يجب أن نهتم بالحفاظ عليها إذ تكون قطعة فريدة من نوعها ليس لها مثيل ولا يمكن تكرارها ومن هنا فإنه لا بد أن يكون هناك اهتمام من الأجيال الجديدة بإدراك قيمة التراث، والعمل على وجود جيل يستكمل المسيرة في الفنون التراثية كافة ويستوعب أنها تمثل جانباً رئيساً من الهوية الثقافية".