أخطر الجماعات الدموية فى التاريخ الإسلامى «2» .. الخوارج أول من وضع بذور التكفير والتطرف فى الإسلام

جماعة الخوارج
جماعة الخوارج

أحمد الإمام

  الإخوان المسلمون وداعش والقاعدة وغيرها من الجماعات التي تدثرت بعباءة الدين لتحقيق أهداف سياسية وأغراض دنيوية زائلة ليست نبتًا شيطانيا وليد اليوم ولكنها امتدادًا لجماعات مارقة أبتلي بها التاريخ الإسلامي ولطخت بدمويتها وجرائمها الصورة الناصعة النقية لديننا الحنيف.

على مدار أسابيع شهر رمضان الكريم نستعرض تاريخ بعض هذه الجماعات الغامضة .. كيف بدأت وتوسعت حتى صارت مصدر رعب وإزعاج دائمين لجميع ممالك هذا الزمان ..

الخَوَارِج اسم أطلقه مخالفو فرقة إسلامية قديمة كانوا يسمون أنفسهم بـ«أهل الإيمان» أو «جماعة المؤمنين» أو «جماعة المسلمين»، أو «المُحكمة» وهي أول فرقة ظهرت في الإسلام على يد ذو الخويصرة التميمي، واشتهرت بالخروج بالسيف على عثمان بن عفان وقتله، وخروجهم بالسيف على علي بن أبي طالب بعد معركة صفين سنة 37هـ؛ لرفضهم التحكيم بعد أن عرضوه عليهم وقتل علي بن أبي طالب عبر ضرب رأسه وهو يصلي على يد عبد الرحمن بن ملجم المذحجي ثأرًا لقتلى جيش الخوارج في معركة النهروان وقد أعتبر الخوارج علي ابن ابي طالب كافرًا مرتدًا وبأنه رأس الكفر والنفاق والظلم والطغيان. 

وقد حرف الخوارج المُحكمة مفهوم الحاكمية لتكفير مخالفيهم من المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم من أجل الوصول للسلطة فقال عنهم الحسن البصري «طلاب دنيا».

عرف الخوارج على مدى تاريخهم بالمغالاة في الدين وبالتكفير والتطرف، كما عرفوا بالصدق الشديد كونهم يعتبرون الكذب من الكبائر المُكفرة ولذلك كان يثق علماء الحديث برواة الخوارج فيقول أبو داوود: «ليس في أصحاب الأهواء أصح حديثا من الخوارج، ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان»، وقد عرفوا أيضا بكثرة الصلاة والصيام وقراءة القرآن فيقول النبي ﷺ: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم»، وأهم عقائدهم: تكفير أصحاب الكبائر، ويقولون بخلودهم في النار خاصة فرقة الوعيدية، وكفروا عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة، ويقولون بالخروج بالسيف على الحكام الظالمين والفاسقين وهذا الرأي يتفق مع بعض علماء أهل السنة الذين يرون جواز الخروج بالسيف على الحاكم الظالم الجائر كابن حجر العسقلاني احتجاجا بالقراء الذين خرجوا على الحجاج بن يوسف الثقفي وأهل المدينة في الحرة، وهم فرق شتى.

 ألقاب الخوارج

يلقب الخوارج بالحرورية والنواصب والمارقة والبغاة والمكفِّرة والشكاكية والشراة والمُحَكِّمة، والسبب الذي من أجله سموا خوارج لأنهم خرجوا على أئمة الحق والعدل، وسموا شراة لأنهم قالوا شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها بالجنة، وسموا المكفرة لتكفيرهم أصحاب الكبائر والذنوب والقول بخلودهم في النار كالكفار كما يكفرون بما ليس كفرا او معصية كواقعة التحكيم، وسموا البغاة وكلاب أهل النار لأنهم يبغون على المسلمين ويقتلونهم بغير الحق، وسموا مارقة وذلك للحديث النبوي الذي أنبأ بأنه سيوجد مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية، إلا أنهم لا يرضون بهذا اللقب لأنهم يعتبرون أنفسهم على الهدى والحق وأما غيرهم فإنهم أهل كفر ويرون أنها روايات موضوعة من قبل الحكام لتشويههم، وسموا المحكمة لإنكارهم الحَكَمين (عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري) وقالوا لا حكم إلا لله. 

ولقد توالت الأحداث بعد ذلك بين علي والذين خرجوا عليه بالسيف، ومحاولته إقناعهم بالحجة والرد علي شبهاتهم عبر مناظرة بن عباس لجيشهم فعاد أكثرهم وتابوا إلا قلة، ثم قيام الحرب وهزيمتهم وهروبهم إلى سجستان وحضرموت، وبعثهم من جديد وتكوين فرق كانت لها صولات وجولات من حين لآخر لقتال الحكام والأئمة المسلمين الشرعيين.

ومنهج التعامل معهم كما قال الإمام الشافعي «ولو أن قومًا أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا جماعات الناس وكفروهم لم يحلل بذلك قتالهم لأنهم على حرمة الإيمان لم يصيروا إلى الحال التي أمر الله عز وجل بقتالهم فيها. 

بَلَغَنا أن عليً - رضي الله تعالى عنه - بينما هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد : لا حكم إلا الله عز وجل. فقال علي - رضي الله تعالى عنه - : كلمة حق أريد بها باطل ، لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بقتال . .» وقال الشافعي كذلك «أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي الغساني عن أبيه أن عدي كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك. فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم ، وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم ، وإن ضربوا فاضربوهم» وقال علي بن أبي طالب «إن خالفوا إمامًا عدلًا فقاتلوهم، وإن خالفوا إمامًا جائرًا فلا تقاتلوهم؛ فإن لهم مقالً»، وعامل علي بن أبي طالب الخوارج قبل الحرب وبعدها معاملة المسلمين فما إن انتهت المعركة حتى أصدر أمره في جنده ألا يتبعوا مُدبِرًا أو يذففوا على جريح أو يمثِّلوا بقتيل.

ولا يعد كل من يخرج على الحاكم بالسيف من الخوارج فهناك أهل حق وهم من خرجوا بالسيف علي الحكام الظالمين والذين يتركون العمل بالسنة النبوية والحدود ويحلون شرب الخمر والزنا كما قال ابن حجر العسقلاني: «وقسمٌ خرجوا غضبًا للدين، من أجل جَور الولاة وتَرْك عملِهم بالسُّنة النبوية؛ فهؤلاء أهلُ حقٍّ، ومنهم: الحسين بن علي، وأهل المدينة في الحرَّة، والقرَّاء الذين خرجوا على الحجَّاج»

وقال كذلك القرطبي: «لو تركَ الإمام إقامةَ قاعدةٍ من قواعد الدين؛ كإقام الصلاة، وصوم رمضان، وإقامة الحدود، ومَنَع من ذلك، وكذلك: لو أباحَ شُربَ الخمر والزنا، ولم يمنع منهما، لا يُختلف في وجوب خَلْعِهِ، فأمَّا لو ابتدعَ بدعةً، ودعا النَّاسَ إليها، فالجمهور: على أنه يُخْلَع»

وهناك البغاة وهم من يخرجون بالسيف من أجل الملك فقط فقال بن حجر العسقلاني «وقسم خرجوا لطلب الملك فقط سواء كانت فيهم شبهة أم لا وهم البغاة»

وقد ظهرت فرق أخرى بسبب الخوارج مثل فرقة المرجئة التي نشأت للرد عليهم فأخرجت العمل من الإيمان ليكون أهل القبلة جميعا مؤمنين مهما كانت أعمالهم.

قال الشهرستاني في الملل والنحل: «كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان». وزاد ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل بأن اسم الخارجي يلحق كل من أشبه الخارجين على الإمام علي أو شاركهم في آرائهم في أي زمن. وهو يتفق مع تعريف الشهرستاني. وعرفهم الدكتور علي عبد الفتاح المغربي في كتابه (الفرق الكلامية الإسلامية) بأنهم هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب وهم حزب سياسي ديني، قام في وجه السلطة القائمة من أجل الدين كما فهموه، وهم لا يعدون أنفسهم خارجين عن الدين بل خارجين من أجل الدين، ومن أجل إقامة شرع الله، متمسكين بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولقد تشبثوا بهذا المبدأ وتطبيقه، حتى أصبح علامة من علاماتهم، وراموا إلى إقامة دولة إسلامية تقوم على الدين وأحكامه.

الخوارج هي فرقة كلامية إسلامية، نشأت في نهاية عهد الخليفة عثمان بن عفان وبداية عهد الخليفة علي بن أبي طالب، نتيجة الخلافات السياسية التي بدأت في عهده. تتصف هذه الفرقة بأنها أشد الفرق دفاعا عن مذهبها وتعصبا لآرائها، كانوا يدعون بالبراءة والرفض للخليفة عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والحكام من بني أمية، كسبب لتفضيلهم حكم الدنيا، على إيقاف الاحتقان بين المسلمين. أصر الخوارج على الاختيار والبيعة في الحكم، مع ضرورة محاسبة أمير المسلمين على كل صغيرة، كذلك عدم حاجة الأمة الإسلامية لخليفة زمن السلم. لقد وضع الخليفة علي بن أبي طالب منهجا قويما في التعامل مع هذه الطائفة، تمثل هذا المنهج في قوله للخوارج: «ألا إن لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم فيئا ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا» وهذه المعاملة إذا ما التزموا جماعة المسلمين ولم تمتد أيديهم إليها بالبغي والعدوان، أما إذا امتدت أيديهم إلى حرمات المسلمين فيجب دفعهم وكف أذاهم عن المسلمين، وهذا ما فعله أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حين قتل الخوارج عبد الله بن خباب بن الأرت وبقروا بطن جاريته، فطالبهم رضي الله عنه بقتلته فأبوا، وقالوا كلنا قتله وكلنا مستحل دمائكم ودمائهم، ثم قيام الحرب وهزيمتهم وهروبهم إلى سجستان وحضرموت ثم مقتل علي بن أبي طالب علي يد عبدالرحمن بن ملجم.

ثلاث فرق

الخوارج هو مصطلح تاريخي مقتبس من أحاديث تنسب إلى الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه وبعض الصحابة،  وقد أطلق مصطلح الخوارج على ثلاثة مجموعات من المسلمين خلال فترات زمنية مختلفة، معارضة سياسية تخرج على الحاكم، وطائفة دينية منحرفة تفسر الدين بشكل مغلوط وتستبيح دماء المسلمين، وغلاة متشددين يكفرون المسلمين، واستعمل مصطلح «الخوارج» أيضا من باب تكفير المسلمين المعارضين، فالجماعة السياسية المعارضة المتمردة على الحاكم يتم قتالها وإبادتها بتهمة انتماءها للخوارج وخروجها على الحاكم، وتاريخياً ظهر مصطلح الخوارج بعد فتنه مقتل عثمان خلال الحرب الأهلية الأولى بين علي ومعاوية والزبير ومعارضيهم والتي قتل فيها 100 ألف مسلم، وتربط المصادر التراثية بين حفظة القرآن في شبة الجزيرة العربية وبين الثوار المصريين الذين قتلو عثمان وبين أهل النهروان واتباع علي المنشقين عنه وتقول انهم خوارج، ويرى بعض المشايخ أن المعني بالخوارج هم القرامطة الذين سرقوا الحجر الأسود وقتلوا 30 ألف مسلم من أهل مكة والحجاج، ويرى البعض ان الخوارج هم الخارجين من ملة الإسلام الذين يخرجون على المسلمين بالسيف، ويرى آخرون ان مصطلح «الخوارج» باطل وان تلك الأحاديث ضعيفة.

كان أغلب الخوارج من «القراء» أي حفظة القرآن الكريم، وقد بايعوا علي بن أبي طالب بعد مقتل عثمان بن عفان. ثم خرج معاوية في جيش لملاقاة عليّ وكانت موقعة صفين. كاد جيش معاوية القادم من الشام أن ينهزم أمام جيش علي القادم من العراق فأمر عمرو بن العاص (قائد الجيش الشامي) الجيش: برفع المصاحف على أسنة الرماح، ثم طلبوا التحكيم لكتاب الله. شعر علي بن أبي طالب أن هذه خدعة لكنه قبل وقف القتال احتراما للقرآن الكريم وأيضا نتيجة رغبته في حقن الدماء، وبعد توقف القتال والتفاهم على أن يمثل أبو موسى الأشعري عليا بن أبي طالب ويمثل عمرو بن العاص معاوية بن أبي سفيان، وحددوا موعداً للتحكيم وفي طريق عودتهم إلى العراق خرج إثنا عشر ألف رجل من جيش علي يرفضون فكرة التحكيم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان في النزاع. لقد رأوا أن كتاب الله قد «حكم» في أمر هؤلاء «البغاة» (يقصدون معاوية وأنصاره) ومن ثم فلا يجوز تحكيم الرجال -عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري- فيما «حكم» فيه «الله» صاحوا قائلين: «لا حكم إلا لله». ومن هنا أطلق عليهم «المُحَكِّمة». ما كان من عليّ إلا أن علق على عبارتهم تلك قائلا: «إنها كلمة حق يراد بها باطل». بعد اجتماع عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري نتج عنه «تضعيف لشرعية عليّ» و«تعزيز لموقف معاوية»، ازداد المُحَكِّمة يقينا بسلامة موقفهم وطالبوا عليّا برفض التحكيم ونتائجه والتحلل من شروطها، والنهوض لقتال معاوية. ولكن علي بن أبي طالب رفض ذلك قائلا: «ويحكم! أبعد الرضا والعهد والميثاق أرجع؟ أبعد أن كتبناه ننقضه؟ إن هذا لا يحل». وهنا انشق المُحَكِّمة عن عليّ، واختاروا لهم أميرا من الأزد وهو عبد الله بن وهب الراسبي.

واهتم الخوارج بضرورة أن تكون معرفة الله تعالى أول وأهم كل شيء، حيث أنها ينبني عليها الإيمان، ومعرفة الله ورسله وشرعه أمر واجب وضروري ولا يعذر فيه أحد كما هو عند فرقة النجدات من الخوراج، ورأي «المعلومية» من «العجاردة» أيضاً أن من لم يعلم الله لجميع أسمائه فهو جاهل، بينما تقول «المجهولية» من «العجاردة» أن من علم الله ببعض أسمائه لم يجهله، وهذا يبين ضرورة معرفة الله جملة أو تفصيلاً، لكن لا خلاف بينهم على ضرورة معرفة الله. ولقد فرقت «الحفصية» من الإباضية بين معرفة الله وغيره، وبين الشرك والكفر، فمن عرف الله وكفر بما دون ذلك كالرسول والشريعة فهو كافر برئ من الشرك، ومن جهل الله وأنكره فهو مشرك. بينما نجد «البيهسية» ترى ضرورة معرفة الله ورسله وكتبه ومعرفة الحرام، وما جاء فيه الوعيد، ومن ذلك ما يجب من معرفته تفصيلياً ومنه ما ينبغي أن يعرف باسمه، لكن الجهل عندهم بالدين أو اقتراف الذنوب يؤدي إلى الشرك.

وكل هذه النصوص تشير إلى ضرورة معرفة الله وكتبه ورسله وشرائعه، على الجملة أو التفصيل، وأن المقصر في ذلك يكون مشركاً عند بعضهم، أو كافراً عند البعض الآخر بينهم. وهذا يعني ضرورة أن يقوم الإيمان على المعرفة، وقد أولوها أهمية خاصة، وجعلوها أساساً للعمل، فنجد «المكرمية» تقول بأن تارك الصلاة كافر لجهله بالله تعالى وكذلك سائر الكبائر، بل لقد وحدوا بين معرفة الله تعالى وطاعته بحيث أن من يعرف الله تعالى لا يقدم على معصيته، وهذا القول قريب من قول سقراط بأن الفضيلة علم والرذيلة جهل. ويذكر أبو الحسن الأشعري أن الخوارج لا يرون على الناس فرضاً ما لم تأتهم الرسل وأن الفرائض تلزم بالرسل واحتجوا بقول الله عز وجل: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، وأنه لا حجة لله على الخلق في التوحيد إلا بالخبر، أي ما يقوم مقام الخبر من إشارة وإيماء.

من علامات الساعة

من علامات السَّاعَة: خروج بعض الفرق المخالفة لمنهج النبي ﷺ وصحابته الكرام، ومن هؤلاء فرق الخوارج؛ وقد أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّميَّة»

وقد وصفهم النبي ﷺ بهذه الصفات في حديث آخر، وأضاف أنهم من شرار الخلق.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون في أُمَّتِي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرَّميَّة، لا يرجعون حتى يرتدَّ السهم إلى فُوقه، وهم شرار الخلق والخليقة، طوبى لمَن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، مَن قاتلهم كان أولى بالله منهم، سيماهم التحالق»

فهم قوم يدَّعون العلم، ويجهدون أنفسهم بالعبادة، لكنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّميَّة.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً، أتاه ذو الخويصرة ، فقال: يا رسول الله، اعدل، فقال صلى الله عليه وسلم: ويلك ومَن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرتَ إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: دَعْهُ، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّميَّة، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ومثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس» .

حكم الدين في الخوارج

اختلف العلماء في حكم الخوارج، ومشهور القول فيهم أنهم على قسمين:

أنه كحكم أهل الردة، لأنهم ردوا السنة، وكفّروا الصحابة، واستحلّوا دماء الموحدين.

أنه كحكم أهل البغي، لأنهم خرجوا لطلب الملك فقط، سواء كانت فيه شبهة أم لا، وهم البغاة.

قال الإمام محيي الدين النووي في شرحه لصحيح مسلم: «...قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً) هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج والبغاة، وهو إجماع العلماء، قال القاضي (يعني القاضي عياض المالكي): أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام وخالفوا رأي الجماعة وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم، والاعتذار إليهم. قال الله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله). لكن لا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا تباح أموالهم، وما لم يخرجوا عن الطاعة وينتصبوا للحرب لا يقاتلون، بل يوعظون ويستتابون من بدعتهم وباطلهم، وهذا كله ما لم يكفروا ببدعتهم، فإن كانت بدعة مما يكفرون به جرت عليهم أحكام المرتدين، وأما البغاة الذين لا يكفرون فيرثون ويورثون، ودمهم في حال القتال هدر، وكذا أموالهم التي تتلف في القتال، والأصح أنهم لا يضمنون أيضاً ما أتلفوه على أهل العدل في حال القتال من نفس ومال، وما أتلفوه في غير حال القتال من نفس ومال ضمنوه، ولا يحل الانتفاع بشيء من دوابهم وسلاحهم في حال الحرب عندنا وعند الجمهور، وجوزه أبو حنيفة. والله أعلم».

ولأجل ذلك قال الإمام مالك في سائر أهل البدع: «يستتابون، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم». قال إسماعيل بن إسحاق: «رأى مالك قتل الخوارج، وأهل القدر من أجل الفساد الداخل في الدين، كقطاع الطريق، فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم». ولا شك في أنهم يستحقون النار، إن ماتوا على اعتقادهم الباطل في ألفاظ القرآن ومعانيه، ورد السنة الصحيحة الزائدة جملة، وتكفير جمهور الصحابة، واستحلال دم المسلمين. لقوله ﷺ: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية». وقوله: «الخوارج كلاب النار». وقوله: «هم شر الخلق والخليقة». قال الإمام أبي المظفر الإسفراييني في (التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين): «...والكفر لا محالة لازم لهم لتكفيرهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم».

لكن الإمام جلال الدين السيوطي يورد أن لعلماء أهل السنة في تكفير الخوراج قولين مشهورين، المعتمد منهما عدم تكفيرهم، لكنهم متفقون على قتالهم على الرغم من أنهم لم يكفروهم، إنما اعتبروهم عصاة وبغاة ومتمردين. لذلك، لا يجوز بعد هزيمتهم في القتال أن تُغنم أموالهم وتُسبى ذراريهم، ولا يقتل مُدبرهم، ويستندون في ذلك على تصرف الإمام علي معهم في معركة النهروان، ذلك أن الإمام علي لم يسبِ حريمهم ولم يغنم أموالهم، رغم أن الذين خرجوا عليه قاتلوه واتهمُوه بالكفر، إلا أن الإمام علي وفقهاء الصحابة لم يكفروهم، ولم يعتبروهم من أهل الردة الخارجين من الملة. ويعتبر تصرف الإمام علي معهم مستند الشيعة في عدم اعتبارهم كفاراً. وذهب جمع من الشيعة إلى تكفيرهم لأنهم أنكروا ضرورة الطاعة للإمام وحاربوه، ولكن الحكم فيهم بعد قتالهم مختلف فيه.

وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الخوارج فقيل له: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، وفي رواية: أمشركون هم؟ فقال: من الشرك فروا. فقيل له: أمنافقون هم؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً، فقيل له من هم إذن؟ قال: إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا، وفي رواية: قوم بغوا علينا فنُصرنا عليهم، وفي رواية: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا. ذكره عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه، وابن أبي شيبة بسند صحيح، والبيهقي في السنن الكبرى، وابن كثير في البداية والنهاية وقال: فهذا ما أورده ابن جرير وغيره في هذا المقام.

اقرأ  أيضا : المستشار الخازندار.. جماعة الإخوان اغتالته بـ9 رصاصات ليسقط غارقا في دمائه

;