حرب غزة و«الحديث عن الأشجار»

سمير جريس
سمير جريس

تشهد الساحة الثقافية فى المانيا موجة من إلغاء لفعاليات ثقافية تم الاعلان عنها تمثل صدى لوجهة النظر الثقافية لما تشهده الأرض المحتلة فى فلسطين، الأمر الذى دفع الكاتب سمير جريس لرفض المشاركة فى «أيام برشت» التى تقام فبراير القادم، وقد أصدر جريس بيانا قال فيه:

تلقيت قبل أيام رسالة من منظمى فعاليات «أيام برشت» التى تُقام فى بيت برشت فى برلين فى الفترة من 10 إلى 16 فبراير 2024، فأجبت عليها بما يلي:

برشت هو أحد كُتابى المفضلين، سواء كشاعر سياسى ثاقب الرؤية، أو كمسرحى رائد، لذا ترجمت له (مع ريم نجمى) قبل سنوات مسرحيته التى لا تنسى «الخوف والبؤس فى الرايخ الثالث»، وهى مسرحية ما زالت تتمتع براهنية كبيرة بالنسبة إلى عديد من بلدان العالم. وأترجم لبرشت حاليا مسرحية أخرى تدور حول المقاومة المسلحة فى فترات الطغيان.

اقرأ أيضاً |أبرز أنشطة معرض الكتاب هذا الأسبوع

لهذا كنت أود المشاركة فى الأمسية التى دُعيت للتحدث فيها عن «برشت والعالم العربي».

لكننى للأسف لا أستطيع المشاركة فى الندوة فى هذا الوقت الذى تشهد فيه الساحة الثقافية فى ألمانيا موجة من الإلغاءات الثقافية لندوات أدبية أو فعاليات ثقافية أو معارض فنية لمجرد أنها تعرض – حتى لو من بعيد - وجهة النظر الفلسطينية فى الصراع مع إسرائيل.

وأوضح مثال على ذلك هو ما حدث للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلى وتأجيل – أو إلغاء؟ - منحها جائزة «ليبراتور» عن روايتها «تفصيل ثانوي»، أو الضجة التى ثارت حول منح الكاتبة اليهودية ماشا غسنMasha Gessen جائزة حنه أرنت لمقالتها النقدية حول إسرائيل.

إن ما تشهده الساحة الثقافية فى ألمانيا حاليا من «إلغاء ثقافي» لم أرِ مثله منذ مجيئى إلى ألمانيا قبل أكثر من ٣٠ عاماً، بل تطور الأمر إلى ما يشبه «مكارثية» جديدة، تفتش فى ضمائر الأدباء والفنانين ومواقفهم قبل أن توافق على دعم مشروع مُقدم منهم، وهو ما يذكرنا بما تعرض إليه برتولت برشت نفسه من عنت ومحاكمة فى فترة المكارثية فى الولايات المتحدة، مما أجبره على مغادرتها عام 1947.

فى قصيدته الشهيرة «إلى الأجيال القادمة» كتب برشت يوماً:
«أى زمن هذا
الذى يوشك فيه الحديث عن الأشجار 
أن يكون جريمة
لأنه يتضمن الصمت عن أهوال لا تحصى.»
وأنا أردد معه: «أى زمن هذا»؟ الذى أصبح فيه كتابة «بوست» ينتقد سياسة إسرائيل، أو مشاركة هذا «البوست»، سبباً كافياً لكى يفقد المرء وظيفته، مثلما حدث لوكيلة الوزارة السابقة، السيدة سمدزاده، فى ولاية شليزفيغ-هولشتاين.

فى هذا المناخ السائد حالياً فى ألمانيا الذى أراه يضيق على حرية الرأى تضييقاً كبيراً، لا أستطيع التحدث عن «الأشجار» وأغض البصر عن الموقف الألمانى الداعم بلا شروط لحكومة يمينية ترتكب على الملأ جرائم حرب فى غزة كما شهدت بذلك محكمة العدل الدولية.

أعرف أننى بهذا الرفض لن أغير السياسة الحالية فى ألمانيا، لكن هذا هو الموقف الوحيد الذى أستطيع اتخاذه. وهذا ما ندين به لبرشت، الكاتب الذى علمنا الرفض والمقاومة.