يوميات الأخبار

عودة الوعى

السيد النجار
السيد النجار

من رحم المحنة ولدت المنحة.. من تحت الأنقاض وبين الأشلاء فى غزة.. ولد فجر جديد من الكراهية.. استيقظت الروح وعاد الوعى لشباب الأمة العربية.. إسرائيل عدو.. وستظل

استقبلنى صديقى مهللا.. لاحظ استنكاره بداخلى.. قال معك حق، حتى الابتسامة هذه الأيام ترقى إلى الخيانة.. ولكن لا تنس من المحنة تولد المنحة، وجئت لك بمفاجأة فى قضية همك الأكبر، والتى كثيرا ما تثيرها فى أحاديث المقهى الثقافى.. بهدوء وابتسامة فاترة.. قلت.. ماذا.. قال انتظر حتى يلتئم الجمع.. وأفحم بها كل الآراء، وخاصة من كانوا يرونك مهموما بقضية لا أمل فيها وطواها النسيان.. وكثيرا ما رددوا.. الدنيا تغيرت.. ولا مبرر لك كى تحمل الأجيال الجديدة هما أثقل كاهل الأجيال السابقة.. أريد أن يصمت أو يفيق من توهموا يوما أن إسرائيل كيان يمكنه أن يعيش فى سلام وتعاون مع جيرانه العرب.. وأن قادتها تخلوا عن هذيان دولتهم من النيل إلى الفرات.. صرخت.. قل ماذا.. ولنكمل الحوار بعد ذلك مع الجميع.

قال.. لتذهب إسرائيل إلى الجحيم.. لم أمهله.. وما الجديد.. أكمل حديثه.. ليست مقولتى.. هذه صرخة حفيدى أمام شاشة التليفزيون، وسط أسرته الملتفة تتابع جرائم الكيان الصهيونى فى حربهم على أخوتنا فى غزة..  قال.. حفيدى عمره ١٢ عاما.. تعيش أسرته فى فرنسا.. واستطرد الطفل الفرنسى مصرى الأصل فى تساؤلاته.. ما هى فلسطين.. وأين غزة.. وأين إسرائيل.. ولماذا تفعل ذلك.. ولماذا يتركها العالم تقتل الأطفال وتهدم البيوت، والمدارس والمستشفيات.. وقال فى تحد وغضب ملتفتا لأخوته.. أنا أكره إسرائيل.. لتذهب إلى الجحيم.. وأصر أن يشارك فى مظاهرات باريس ضد إسرائيل والمطالبة بوقف الحرب.. واعتاد الحفيد أن يحكى لأسرته يوميا.. ماذا قال للزملاء بالمدرسة.. وماذا قالوا له عن الحرب فى غزة.

بينما يسترسل صديقى الحديث.. تتسرب داخلى نشوة سعادة.. هامسا.. شكرا.. بنى صهيون.. قدمتم لنا حلا لمعضلة لم يكن الزمن كفيلا بحلها، وإنما كان يحمل يوما بعد يوم بوادر زيادة تعقيدها.. نجح قادة إسرائيل أعضاء تنظيم كاهانا الإرهابى فى تفجير عنفوان الكراهية داخلنا.. واستيقاظ الروح.. وعودة الوعى لشباب وأجيال الأمة العربية أن إسرائيل عدو.. وستظل هى العدو.. لا أمان ولا عهد لها.. ولن تتخلى عن الكراهية والإرهاب ضد كل العرب.. أثمرت حرب غزة عن وعى جديد لأجيال حاضرة وقادمة.. وهى بالفعل التى ستمحو هذا الكيان وإن طال الزمن.

اكتمل الأصدقاء.. وتلقائيا.. كان الحوار.. غزة.. بطولات المقاومة.. جرائم الاحتلال الصهيونى.. سقوط الأقنعة.. تخاذل ونفاق حكومات العالم.. تحالفات الغدر المعتادة من الأمريكان والغرب.. هبة ونصرة شعوب العالم لنصرة الشعب الفلسطينى.. طال النقاش حول المائدة.. أمر طبيعى.. هذا حديث الناس.. فى البيوت.. المقاهى.. فى النوادى.. كل وسائل التواصل الاجتماعى.. حتى المكالمات الهاتفية الشخصية.. بالطبع جميع فضائيات العالم.

بادرنا الصديق الأول.. لم أشك لحظة فى صمود المقاومة الفلسطينية.. توقعت أن تذل جبروت قادة إسرائيل للمرة الثانية بعد ٧ أكتوبر.. وأن تحطم أسطورة الدولة الوهمية التى أغرت بعض الدول بأنها سيدة المنطقة.. حطم الأبطال وصمود الشعب فى أرضه أقوى جيوش العالم، الأمريكان وإسرائيل.. هذا منطق سليم.. هم أصحاب الأرض والحق.. وامتلكوا الإرادة.. وتحلوا بالثقة بنصر الله.. فهم المنتصرون مهما كانت النتائج النهائية للمعارك.

قال الثانى.. انتهى نتنياهو للأبد مع عصابة وزرائه.. انتهى بايدن أيضا.. لن ينجح فى الانتخابات.. حطمت الحرب نظرية.. من يريد أن ينجح فى الانتخابات الأمريكية، لابد من دعم اللوبى الصهيونى. وأعتقد أن الأمم المتحدة نفسها سوف تخرج كل أوراق إصلاحها من الأدراج، بعد فشلها الذريع.. والسؤال كيف ستكون مستقلة بعيدة عن تحكم أمريكا والدول الكبرى فى قراراتها.

ويتواصل الحوار يقول أحد أعضاء المقهى.. لن أتحدث عن الكوارث الاقتصادية والسياسية التى ستحل بإسرائيل.. فهى ليست خافية على أحد.. ولكن عن انبهارى بهبة شعوب العالم لمناصرة غزة والمطالبة بحرية وحقوق الشعب الفلسطينى.. وهى ظاهرة جديدة تعكس قدرة الرأى العام على تعديل مواقف الدول والتأثير فى قراراتها.. وهذا يحدث لأول مرة فى قضية دولية خارج الاهتمامات المحلية داخل الدول الغربية التى شهدت المظاهرات، بما فيها مناصرة يهود أمريكا لأهل غزة خلال احتجاجات كبيرة بجميع الولايات.. هذه الحرب ستكون لها آثارها الكبيرة على العالم والمنطقة.. وأكثرها لصالح الشعوب.

بصوت خافت يأتى صوت صديق معروف بالآراء والمواقف الانهزامية.. يقول.. لكن يا جماعة.. يهب الجميع فى وجههه.. اصمت.. ولكنه يواصل.. أنا سأتكلم عن غزة وحماس ما بعد الحرب.. ترتفع الصرخات فى وجهه.. كفى صهينة خبيثة.. مخادعة.. الموقف ليس فى حاجة إلى روحك الانهزامية ونفسيتك المهزومة دائما.. للحرب جولات.. والمقاومة لن تنتهى.. هى فكرة وسبيل لا مفر منه أمام الشعب الفلسطينى.. يتوارث الجهاد جيل بعد جيل.. وتحرير الأوطان دائما ثمنه دماء الشهداء.. ولكن حتى لا نصادر على رأيك.. تستطيع أن ترسل به إلى نتنياهو وشريكه الصهيونى وزير الخارجية الأمريكى.

أبادر الحوار بالقول.. كل ما يقال وارد.. ومتوقع.. ولكن ما أسعدنى بالفعل ما قاله حفيد صديقنا.. على مدى سنوات طويلة.. أجيال الآباء.. والأبناء.. تشكل وعيها.. أن إسرائيل عدو.. استعمارى.. خطر على المنطقة العربية كلها.. ولكن جيلا بعد جيل غاب الوعى وبدأ الاهتمام يتضاءل.. حتى تصور البعض أن القضية الفلسطينية أصبحت فى طى النسيان.. وعاشت إسرائيل نفسها هذا الوهم.. وفجأة.. بالفعل.. من محنة غزة ولدت منحة عودة الوعى.. واليقظة بالحقيقة التاريخية.. إسرائيل شوكة فى الجسد العربى لابد يوما من نزعها.. وشاهدنا مظاهر عديدة لهذه اليقظة، خاصة من الشباب، على الفضائيات والسوشيال ميديا.. وهذه الظاهرة الجديدة أكبر هزيمة لإسرائيل فى هذه الحرب.. وما بعدها؟!

شهداء الصحفيين فى غزة

فى عام ١٩٥٦.. أثناء العدوان الثلاثى.. كانت مصر محاصرة عسكريا فى مدن القناة وإعلاميا فى العالم كله.. ارتكبت انجلترا وفرنسا وإسرائيل جرائم حرب من قتل وهدم وتدمير، وخاصة فى مدينة بورسعيد.. كلف الرئيس عبدالناصر، الصحفى الكبير مصطفى أمين بجولة فى أوروبا وأمريكا لفضح جرائم العدوان.. وتولى المراسل العسكرى لأخبار اليوم توثيق هذه الجرائم بالصور.. ألتقى مصطفى أمين فى جولته برؤساء تحرير كبرى الصحف العالمية.. وعدد من الساسة وقادة الرأى فى كل دولة يزورها.. وزود الجميع بالصور والمعلومات.. حققت الجولة نجاحا مبهرا بعد كشف كل الحقائق للرأى العام الخارجى.

تذكرت هذه الواقعة، بينما أتابع تقريرا تليفزيونيا حول مقتل ٦٠ صحفيا فلسطينيا أثناء تغطية حرب الاحتلال الإسرائيلى على غزة..

استشهدوا بينما يمارسون مهمة نبيلة فى نقل الأخبار والأحداث للعالم، وتوثيق جرائم العدوان بالمعلومة والصورة الفوتوغرافية والتليفزيونية.. لا أعرف اسماءهم.. ولم أر وجوههم.. ولكنى ارسم صورة لملامحهم وسط الركام وبين أشلاء الشهداء.

فى بورسعيد.. لم يحضر مراسلو صحف العالم.. وإنما فى غزة هربوا من ساحة المعركة إلى تل أبيب.. اتخذوا فنادقها مقرا لتغطية الحرب، على غرار اكتب ما يملى عليك من بيانات المتحدث العسكرى الإسرائيلى!

بالطبع.. الاتحاد العالمى للصحفيين لن يفكر فى تكريمهم.. والأمل معقود على اتحاد الصحفيين العرب، ونقابة الصحفيين المصريين.. ليكن تكريم شهداء أهالى غزة فى شخص أبنائها الصحفيين؟

انسى الحزن

مات حزنا.. كمدا.. قهرا.. المهم.. مات لأسباب أوجعت قلبه.. أصابت روحه.. نفسه.. وحياته.. مشاعره.. أحساسه.. أكيد كثيرا ما سمعت ذلك.. وأكيد تصورت أن ذلك مجاز.. ولكنه حقيقة.. عندما أجريت جراحة قلب مفتوح.. قال لى الجراح مبتسما.. هل تعلم أن ٩٠٪ من أسباب هذه الجراحة أسباب وجدانية.. قلت.. لا.. ولكنى أعلم أن ٩٠٪ منهم لا يعود للحياة.. ضحك قائلا.. لا تخف.. هذا كان زمان.. الطب تقدم.. ولم أقل له فعلا عايشت ظروفا اعتصرت قلبى.. وما لبثت بعد شهر منها إلا ممددا على سرير غرفة العمليات.. ورغم ذلك اعتبرت ٩٠٪ من كلام الجراح.. ما هو إلا للتسرية على مريضه.. لكن يبدو أنه كان جادا.. بعد عدة سنوات قال جراح القلوب العالمى مجدى يعقوب فى حوار تليفزيونى «اللى يوجع القلب حاجات كتير، لكن أوحشها الحزن.. معظم المرضى اللى بتجيلى عندها مشاكل فى القلب.. سببها الحزن وكسرة القلب».

«عاوز أقولك أنسى الحزن.. لكن المشكلة لازم أقولك أزاى.. وأنا لا أعلم؟!»

همس النفس

يا حبيبا.. ما كان طبعك الهجر.. مازلت فى هواك معتصما بالصبر.. لا يعلم إلا الله مكنون ما فى الصدر.. أدعوه ليلى ونهارى بالوصل.
يا حبيبا.. الكلمات لا تفى الجمال ثناء.. ما بين العينين والجيد والثغر.. وتعجز عن وصف الخصال.. ما بين طيب الأصل وحسن الطباع والجود.

لعمرى كل منايا الزمان تهون.. إلا غياب طلة القمر.

قالوا:

لم نعد نتبادل الكلام مع من نحب.. لكن ذلك ليس بصمت
الشاعر الفرنسى دينيه شار

أفدح الخسارة وأحمقها.. عندما يموت الحب الكبير فى مزيدات تافهة
الكاتب السعودى.. طلال الرشيد