خارج النص

موسم البحث عن فضيحة!!

أسامة السعيد
أسامة السعيد

«البحث عن فضيحة» فيلم خفيف الظل بدأ عرضه فى  14 يناير 1973 أى قبل 50 عاما بالتمام والكمال ولعب بطولته النجوم عادل إمام وميرفت أمين وسمير صبري.

الفيلم يجسد أزمة شاب يريد أن يتزوج بمن يحبها، ويقنعه صديقه بافتعال فضيحة للتغلب على رفض أسرتها لهذا الزواج، وتدور الأحداث فى قالب كوميدي، ينتهى بفضيحة حقيقية، ليس للشاب الراغب فى الزواج، بل فى الناصح غير الأمين «الباحث عن الفضيحة».

استعيد هذا الفيلم اليوم بعد نصف قرن من بداية عرضه، لأننى لم أجد أنسب منه للتعبير عن حال كثيرين من نشطاء السوشيال ميديا هذه الأيام، فجلهم (وليس كلهم) يبحثون عن أى «فضيحة» من أى نوع، لكى ينصبوا «سيرك الهري» اليومي، وينهالون بالـ»بوستات» والـ»تويتات»، فضلا عن الوافد الجديد إلى عالم «التفاهة» الافتراضية، وهو ما يسمى بالـ»ريلز» أى الفيديوهات القصيرة التى لا تتجاوز مدتها دقيقة واحدة، وتمتلئ بإسفاف وفجاجة غير مسبوقة.
على السوشيال ميديا بات هناك مختصون يجيدون اصطياد أى «فضيحة» من أى نوع، فإن لم يجدوها افتعلوها، ليصطنعوا من «الحبة قبة» ويشعلون جدلا يستنزف قدرات الناس ووقتهم، بل وحتى أعصابهم وسلامهم النفسي، وأحيانا الاجتماعي.

ولا أريد أن أستعيد هنا وقائع بعينها، رغم كثرتها وتعددها لا سيما فى الآونة الأخيرة، لكننى أتوقف أمام بعض الأساليب التى يتبعها هؤلاء من أجل البحث عن الفضائح وإشعال الحرائق، فأولا تجدهم يبحثون عن قضية ذات بعد أخلاقى أو اجتماعي، أو تتعلق بأحد المشاهير فى المجتمع لجذب أكبر اهتمام ممكن بالموضوع.

الخطوة الثانية تعتمد على تعمد إساءة الفهم، أو انتزاع الأمر من سياقه، وتقديمه بطريقة مبتورة أو مشوهة، أو مثيرة للحماسة الدينية أو القومية أو الوطنية، أو حتى استخدام السخرية فى التسفيه من الرأى أو التصريح أو الفعل.

وعلى الفور تبدأ الخطوة الثالثة باستخدام التعليقات المتجاوزة التى تخرج عن سياق العقل والمنطق، وتنجرف إلى الهجوم والسب والشتم والسخرية والإهانة، وهذه التعليقات بدورها تستدعى ردودا فى المقابل، وهكذا تبدأ المعركة، وكلما اتسع نطاق التعليقات، زاد وصول الموضوع إلى قطاعات أكبر، وربما تحول إلى «تريند»، وهنا يصل الباحثون عن الفضيحة إلى ذروة نجاحهم!!

اللافت، أن كثيرا من أولئك «الباحثين عن فضيحة» يتمتعون بقدر هائل من الاجتراء وسوء الأدب والوقاحة، بما يمكنهم من الدخول على حساب شخص أو صفحته الرسمية التى يعبر فيها عن رأيه أو ما يراه صائبا من وجهة نظره، وبدلا من الحوار الإيجابى والفعال مع ذلك الرأى ومناقشته بجدية أو الاختلاف معه باحترام، تجد سيلا من الإسفاف والبذاءات والتجاوز، من أشخاص مجهولين لا تعرف هويتهم، ومن غير المستبعد أن يكونوا موجهين ويتبعون جهات بعينها، هدفها الهجوم على أشخاص أو أفكار أو تيارات بعينها، أو حتى الاكتفاء بإشعال الخلاف والشقاق بين الناس.

من يرصد ما يجرى على السوشيال ميديا هذه الأيام، وما يدور على أرض الواقع يشعر بحجم الانفصال النفسى والعقلى بين هؤلاء «السوشيالجية» وبين عامة الناس الذين يكافحون من أجل مواصلة طريقهم فى الحياة، بعيدا عن مشعلى الحرائق، أو «الباحثين عن الفضائح»، والذين سيسقطون فى «الفضيحة» إن آجلا أو عاجلا!