المرأة في الصعيد تُشعل نار الثأر وتطفئها

المرأة في الصعيد
المرأة في الصعيد

أبو المعارف الحفناوي

« لو مخدتش بتار أبوك قلبي غضبان عليك وانت لا ولدي ولا أعرفك»..؛ 

يجسد الفيلم التليفزيونى «أغنية الموت» قصة الثأر وهو أندر الأعمال التليفزيونية التي قدمتها فاتن حمامة وفيها جسدت دور الأم الصعيدية «عساكر» التي تنتظر ابنها «علوان» والذي يجسده الفنان عبد العزيز مخيون ليأخذ بثأر أبيه، والذي لا يعرف حتى أصل العداء، فيرفض الابن الأخذ بثأر أبيه، فتأمر أمه أحد أقاربها بقتل ابنها، وأن يعطيها إشارة لموته بأغنية.

لم يختلف الأمر هنا في قرى الصعيد، عن أحداث الفيلم، إذ تلعب المرأة دورا هاما، في الثأر،  فهي التي تشعل ناره،  واتساع دائرة الدم، وهي القادرة على إطفاء هذه النار، واخماد فتنة الثأر، فهي العنصر الأساسي في التحريض على القتل، بالرغم من أن العرف في الأخذ بالثأر يكون من الرجال، دون الأطفال أو السيدات.

مشاهد كثيرة في الثأر في الصعيد، يكون سببه امرأة، فهنا أم تعبت وسهرت الليالي، من أجل أن ترى ابنها يكبر أمامها، وفجأة وبعد أن وصل إلى الثلاثين من عمره، وبعد أن تزوج وأنجب أطفالا، نشبت مشاجرة بينه وبين جيرانه بسبب خلافات الجيرة، شاهدت ابنها يُقتل أمامها،  حاولت أن تتصدى لضربات السلاح الأبيض من المتهم، حتى لا يخترق جسد ابنها، ولكن «ساعة الشيطان» لم تشفع لمحاولاتها، حتى أصيبت في يدها، ومات ابنها وهو في أحضانها.

منظر الدماء لم يفارقها لحظة، قلبها اكتوى بنار الفراق، خاصة لرؤيتها نجلها يموت أمامها، وجبروت القاتل، الذي لم يستمع لصراخ الأم، وبعد دفن نجلها وحبس المتهم، الذي هجرت أسرته القرية، لم يرح قلبها الذي عشعش الحزن والقهر فيه.

حاول رجال المصالحات التدخل، بعد بضعة أشهر من الواقعة، واتفق البعض منهم لتحديد لقاء مع والد وأبناء عمومة المجني عليه، لوأد الفتنة، وعدم اتساع دائرة الدم، وتم تحديد الموعد، ذهب رجال المصالحات، وعند الجلوس مع أسرة المجني عليه،  لوضع بنود الصلح، تخرج أم المجني عليه، لتصرخ في وجه الجميع، «ابني لسه دمه على ايدي»، وترفض أي محاولة اتفاق للصلح، لتستمر الخصومة، وتحرض نجلها الثاني، لقتل شقيق المتهم، ويُحبس، ويحاول شقيق المجني عليه الثاني، الأخذ بالثأر من أشقاء القاتل، لتستمر الخصومة، التي من شأنها «خراب بيوت»، فهنا نساء ترملت وأطفال تيتموا، وأمهات فقدت فلذات أكبادها.

هذا المشهد، واحدا من المشاهد الكثيرة والمتكررة، في قرى الصعيد، والذي تكون المرأة فيه، محرضا رئيسيا، في اندلاع المعارك الثأرية، واتساع دائرة الدم، من خلال عبارات وأمثال تدل على الموروث الثأري للمرأة، من خلال بث الفتنة والتحريض على القتل، منها «لو مخدتش بتار أبوك قلبي غضبان عليك وانت لا ولدي ولا أعرفك».

الشقيقان

مشهد آخر، حدث في إحدى قرى قنا، عندما حرضت امرأة، شقيقيها على قتل آخر، لتبدأ المعركة، ويموت الثلاثة، بينهم شقيقيها، نتيجة إصابتهم بطلقات نارية، لم تتمالك المرأة وقتها أعصابها، حتى تخلصت على الفور من حياتها،  بعد احساسها،  أنها السبب في هذه الواقعة،  التي راح ضحيتها شقيقيها.

وأوضحت إحدى الدراسات أن أحد أسباب اندلاع حوادث الثأر وانتشارها وتأثيرها في المجتمع المصري، يرجع إلى المرأة على الرغم أن المرأة في الصعيد المصري مقهورة وبلا رأي، كما هو سائد، وأنها  تلعب دوراً بارزاً في صناعة القرار داخل العائلة.

ومعظم الدراسات التي بحثت في هذه المشكلة لم تبرئ المرأة، بل وصفتها بأنها المحرض الرئيس على كل جرائم الثأر. فالمرأة اذا قُتل زوجها لا ترضى من ابنها الا بقتل من قتلوه ولا تتوانى عن التحريض حتى وإن كان القاتل أقرب الناس.

و أشارت الدراسات التي قام بها مركز قضايا المرأة المصرية؛ الى أن تلك الجرائم تتفاوت من محافظة إلى أخرى، فهي أكثر وضوحاً في أسيوط وأقل حدة في سوهاج وتظهر وتختفي في محافظات أخرى.

وترتفع نسبة جرائم القتل بين الشباب في الصعيد بنسبة 2,23 في المئة، بحسب ما ورد في دراسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إليها، كما أن لجرائم الثأر في الصعيد ضوابط، إذ لا يؤخذ بالثأر من طفل أو امرأة، علماً أن المرأة نفسها أخذت بالثأر كثيرا.

المحرضون

ويقول الشيخ أحمد عبد اللطيف الكلحي: عضو لجنة المصالحات في قنا، إن اللجنة نجحت في إنهاء العديد من الخصومات الثأرية في الصعيد، ولكن هناك صعوبات كثيرة كانت تقف حائلا أمام اللجنة، والتي من أبرزها عدم القدرة على إقناع المرأة التي قتل زوجها أو ابنها أو شقيقها أو والدها، في تقبل فكرة إنهاء الخصومة الثأرية، حتى لا يقع ضحايا جدد، من الممكن أن يروح فيها أحد أقاربها وتكون سبيا في ذلك.

ويضيف الكلحي؛ أن الخصومات الثأرية في الصعيد، من الممكن أن تكون لأسباب تافهة، ولكن أهل الفتنة والمحرضين، يسعون لاتساع دائرة الدم بين العائلتين المتخاصمين، أو ربما عائلات أخرى تنضم لدائرة الدم بسبب المرأة أو القتل عن طريق الخطأ عند تصادف المرور وقت الإشتباكات.

ويشير أحمد شمندي، عضو لجنة المصالحات التابعة للأزهر الشريف؛ أن اللجنة تركز على كافة النواحي، لإنهاء الثأر،  ومن بين هذه النواحي وأهمها المرأة، فشيخ الأزهر قرر أن يمنح المرأة التي توافق على الصلح رحلة عمرة أو حج على نفقته الشخصية.

ويضيف شمندي؛ أنه بعد أن تمكنت لجنة المصالحات التابعة لمشيخة الأزهر، في التوصل إلى اتفاق لإقناع الطرفين بإنهاء الخصومة الثأرية وهما في الأصل أبناء عمومة بقرية الرحمانية قبلي بنجع حمادي، اشترطت والدة القتيل مقابلة شيخ الأزهر، فقبل شيخ الأزهر ذلك واستضافها منذ قرابة شهر في ساحته بمحافظة الأقصر.

وأشار شمندي، إلى أن والدة المجني عليه، التقت شيخ الأزهر، والذي جبر بخاطرها وطمأن قلبها، بأن ابنها عريس في الجنة إن شاء الله، وأعطى لها بعض النصائح لقبول الصلح وأن التسامح والصلح حث عليه الإسلام، فوافقت على قبول الصلح، وتم تحديد جلسة لإنهاء الخصومة بين العائلتين.

ويوضح شمندي؛ أن هذه الحالة من ضمن حالات كثيرة، تبناها الإمام الأكبر شيخ الأزهر، لإنهاء الخصومات الثأرية، والتي تتسبب في اتساع دائرة الدم، ووقف عمليات التنمية في القرى.

ويشير د.سيد عوض، أستاذ علم الاجتماع، إلى أن الخصومات الثأرية في الصعيد، لها أسباب عديدة ومتنوعة، ولكن لو نظرنا إليها من الناحية الإجتماعية، نجد أن المرأة سببا رئيسيا في إشعال نار الثأر ومن أهل أسباب التي تساعد في اخماده.

ويوضح عوض، أن الموروث الاجتماعي، يقف عائقا أمام إتمام الصلح، فالرجل في الخصومة الذي يموت فيها أحد أقاربه من الدرجة الأولى أو ربما أكثر من ذلك، تجده تارة يحاول الأخذ بالثأر، وتارة يقبل إنهاء الثأر،  خشية من الحبس أو القتل،ولكن تجد المرأة تحرضه على الثأر، بكلمات رنانة تتسبب في عصبيته واصراره على اثبات رجولته وقدرته على القتل، حتى لو كان على خلاف ذلك، ويساعده في ذلك المحرضين من الرجا ل وتجار السلاح.

وتشير أماني أبو سحلي، مؤسسة أول لجنة مصالحات نسائية، إنها فقدت ابنها في الثأر، ووافقت على إنهاء الخصومة الثأرية، التي راح ضحيتها 12 شخصا، موضحة أن المرأة هى المحرك الأساسي في الثأر، سواء بزيادة لهيب الخصومة أو قبول الصلح، لافتة أن زوجها أخذ مشورتها في إنهاء الخصومة الثأرية بينه وبين العائلة الأخرى، ووافقت لعدم اتساع دائرة الدم.

وتلمح أبو سحلي، أن المرأة في المجتمع الصعيدي، لها مكانة خاصة، وهي التي تساعد في إنهاء الثأر أو تكون سببا فيه، موضحة أن إقناع المرأة بقبول الصلح، صعبة للغاية، فهي جربت نار الثأر بفقدان ابنها، وذاقت مرار الثأر، ولذلك قررت أن تقنع باقي الأمهات على إنهاء الخصومات الثأرية حتى لا تتسع دائرة الدم. 

أقرأ أيضأ : مصرع شاب فى خصومة ثأرية بقنا