كم مريم فى حياة المسيح؟

اسم مريم أصبح أيقونة عالمية ومنتشراً فى مختلف أرجاء الكوكب
اسم مريم أصبح أيقونة عالمية ومنتشراً فى مختلف أرجاء الكوكب

أعد‭ ‬الملف‭:‬‭ ‬حسن‭ ‬حافظ

عندما تذكر قصة السيد المسيح، يظهر اسم مريم أكثر من مرة، فحضور مريم كثيف فى سيرة المسيح، ففضلا عن شهرة السيدة مريم العذراء أم السيد المسيح، هناك مريم المجْدليّة وقصتها الشهيرة، لكن شهرة العذراء والمجدلية حجبت نساء حملن اسم مريم وظهرن فى حياة المسيح، فالمثبت بالعودة إلى الأناجيل الأربعة نجد ذكرا لثلاث نساء حملن اسم مريم، ليكون مجموع النساء اللاتى ظهرن فى حياة المسيح وحملن اسم مريم خمس نساء، أشهرهن بلا شك السيدة العذراء، ويرجع انتشار اسم مريم فى حياة المسيح، إلى حقيقة تاريخية تعود إلى محبة اليهود فى الاسم الذى يعود إلى مريم أخت النبيين موسى وهارون عليهما السلام.

لا حاجة لإفراد مساحة لذكر علاقة مريم العذراء بالسيد المسيح، كونها معروفة للجميع وهى من الشهرة بمكان، لنركز على مريم الثانية التى تحظى باهتمام وجدل كبير، ونعنى مريم المجْدليّة ، فهى شخصية رئيسية فى الإنجيل، إذ تعد من تلامذة السيد المسيح، وقد عرفت التوبة على يديه، إذ يقول الإنجيل: اوبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض. مريم التى تدعى المجدلية التى خرج منها سبعة شياطينب الوقا 8: 2. وبعد التوبة أصبحت من التابعين للسيد المسيح، وتظهر فى العديد من المواقف المحورية فى حياته، بحسب رواية الأناجيل، فهى مع المسيح أثناء تبشيره فى الخليل، ثم المتفجعة على صلبه بحسب المعتقد المسيحي، والشاهدة على قيامته، وأول من ذهبت إلى قبره ووجدته فارغا، ثم كان تجلى المسيح الأول لها هى قبل رسله، ويعتقد البعض أن مريم المجدلية هى المرأة التى غسلت قدمى المسيح بدموعها، بحسب ما ورد فى إنجيل لوقا: اوإذا امرأة كانت خاطئة إذ علمت أنه متكئ فى بيت الفريسى جاءت بقرورة طيب  ووقفت عند قدميه من ورائه باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحها بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيبب الوقا 7: 37-38.

على كل حال احتلت مريم المجدلية مكانة ورمزية عالية كونها أول شخصية رأت قبر المسيح فارغا، ونظرا لمكانتها المقربة للمسيح ظن البعض أنها زوجة المسيح، دون تقديم أى دليل، وهى أفكار لم تكن وليدة الجدل الذى ولدته رواية اشيفرة دافنشىب للكاتب الأمريكى دان براون، بل تعود لبعض الأناجيل غير المعترف بها أو الغنوصية (أبوكريفون)، منها أنجيل مريم المجدلية، وكانت حركة الكاثار بفرنسا فى العصور الوسطى، ترى أن مريم المجدلية زوجة ليسوع فى العالم السماوى وخليلة له فى العالم الدنيوي، وقد زاد من حجم الأساطير حول المجدلية خلط البابا الكاثوليكى جريجوريوس الكبير بينها وبين مريم من بيت عنيا - والمذكورة أيضا فى الأناجيل - واعتبرهما شخصية واحدة، بحسب ما توصل المؤرخ البريطانى مايكل هاج فى كتابه االبحث عن مريم المجدلية وعنوانه بالإنجليزية The Quest For Mary Magdalene: History and legend، والصادر عام 2016. 

لكن بعيدا عن الجدل والكتابات المحرفة والرد العلمى عليها، تظل مكانة السيدة مريم المجدلية ثابتة فى المسيحية، كونها رسولة المسيح إلى الرسل، فكانت أول من تجلى لها وطلب منها أن توصل رسالته إلى الرسل، إذ ورد فى الإنجيل: اوبعد ما قام باكرًا فى أول الأسبوع ظهر أولًا لمريم المجدلية التى كان قد أخرج منها سبعة شياطين > فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون  فلما سمع أولئك أنه حى وقد نظرته لم يصدقواب امرقس: 16: 9-11ب. ومن هنا جاءت المكانة المقدسة لمريم المجدلية، التى أصبحت قدسية فى مختلف الكنائس، وترتبط بمعجزات الشفاء وتسهيل الولادة.

وذكرت مريم أخرى فى الأناجيل، وهى مريم أم يعقوب ويوسى وسالومة، ففى إنجيل مرقص: اوكانت أيضا نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى وسالومة  اللواتى أيضا تبعنه وخدمنه حين كان فى الجليل. وأخر كثيرات صعدن معه إلى أورشليمب امرقص 15: 40-41. ونجد نفس المعلومة فى إنجيل متى: اوكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه. وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى وأم ابنى زبدىب امتى 27: 55-56، فبالإضافة إلى مريم العذراء ومريم المجدلية تظهر بوضوح شخصية مريم أم يعقوب.

فمريم أم يعقوب ويوسى وسالومة، هى فى عدد من الأقوال أخت السيدة مريم العذراء، بحسب نص الأناجيل، وقد حملتا نفس الاسم بحسب دراسة لمركز الأنبا تكلا هيمانوت القبطى الأرثوذكسى، استنادا إلى ذكر فى إنجيل يوحنا: اوكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية ايوحنا 19: 25. ولا يعرف على وجه اليقين من هو كلوبا الذى تزوجته مريم الثالثة، فالبعض يرى أنه أخ ليوسف النجار خطيب السيدة مريم العذراء، أى أن مريم أم يعقوب هى زوجة شقيق خطيب العذراء، فضلا عن كونها أختها.

ويرتبط بمريم الثالثة أو مريم أم يعقوب، حادثة مهمة فى العقيدة المسيحية، إذ توجهت مريم المجدلية ومعها مريم أم يعقوب إلى قبر المسيح لتجهيز جثمانه للدفن، إذ ورد فى إنجيل متى: وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر متى 27: 61، ثم يتابع اوبعد يوم السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر، متى 28: 1، ويذكر إنجيل مرقس: اوبعد مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطا ليأتين ويدهنه مرقس 16: 1، إذ تكتشف النسوة الثلاث عدم وجود جسد المسيح ويظهر لهن الملك الذى يخبرهن بقيامة المسيح -بحسب المعتقد المسيحى- ويطلب منهن التوجه إلى تلاميذ السيد المسيح لجمعهم عند الجليل للقاء المسيح، ويطلق على النسوة الثلاث اسم المريمات الثلاث. وهو نفس ما نجده فى إنجيل لوقا: اوكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتى قلن هذا للرسل الوقا 24: 10.

بل هناك مريم رابعة فى قصة حياة المسيح، فيوسف النجار خطيب مريم العذراء، كانت والدته اسمها مريم أيضا، إذ ورد فى إنجيل متى: أليس هذا ابن النجار. أليست أمه تُدعى مريم وأخوته يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا متى 13: 55،  وهو نفس المضمون الذى ورد فى إنجيل مرقس 6: 3، كما نجد ذكرا لمريم أم يوسف النجار فى إنجيل لوقا: اوكان يوسف وأمه يتعجبان مما قيل فيه. وباركها سمعان وقال لمريم أمه أن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين فى إسرائيل ولعلامة تقاوم لوقا 2: 33-34.

ونواجه مريم خامسة مذكورة فى الإنجيل، وهى مريم أخت مرثا، إذ دخل السيد المسيح قرية بيت عنيا، حيث بيت لعازر ومرثا وأختها مريم، واندفعت مرثا لتجهيز مراسم الاحتفال بزيارة السيد المسيح، وانهمكت فى إعداد كل ما يليق بالزيارة، ووسط انشغالها طلبت مساعدة أختها مريم التى جلست بسكينة عند قدمى المسيح، وقد وردت هذه الواقعة فى إنجيل لوقا: اوفيما هم سائرون دخل قرية فقبلته امرأة اسمها مرثا فى بيتها  وكانت لهذه أخت تُدعى مريم التى جلست عند قدمى يسوع وكانت تسمع كلامه  وأما مرثا فكانت مرتبكة فى خدمة كثيرة فوقفت وقالت يا رب أما تبالى بأن أختى قد تركتنى أخدم وحدى. فقل لها أن تعيننى  فأجاب يسوع وقال لها مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة  ولكن الحاجة إلى واحد فاختارت مريم النصيب الصالح الذى لن ينزع منها الوقا 10: 38-42، أى أن السيد المسيح قال لمرثا إن أختها مريم اختارت الطريق الصواب بتسليم نفسها للسيد المسيح وأخلصت للعبادة.

بل نواجه بعض التفاصيل الأخرى فى إنجيل يوحنا، حول لعازر الأخ لكل من مرثا ومريم، والذى كان مريضا، فأرسلت الأختان إلى السيد المسيح لعلاجه، وكانت مريم اهى التى دهنت الرب بطيب ومسحت رجليه بشعرهاب يوحنا 11: 2، لكن مات لعازر، وعم الحزن قرية بيت عنيا، ودخلت الأختان فى حالة من الحزن على أخيهما، وبعد وفاته بأربعة أيام، جاء السيد المسيح للعزاء، ولكنه رق للأختين، فتجلت المعجزة فى إحيائه لعازر أخيهما: اورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لى  وأنا علمت أنك فى كل حين تسمع لى. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت. ليؤمنوا أنك أرسلتنى  ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجًاب يوحنا 11: 41-43.