أحمد عطية صالح يكتب :
ماذا كان يمكن أن يكون شكل الحياة فى مصر لو لم يتخذ الرئيس السادات قراره بإعادة احياء جماعة الإخوان المسلمين.
ولا أحد يعرف حتى الآن سر عجلة السادات ورغبته فى إعادتهم مرة أخرى للمشهد السياسى! وهل كان غائباً عن عقله وهو السياسى الداهية الذى لقب ببطل الحرب والسلام.
البعض يقول إن السبب هو رغبته فى اقصاء التيار الناصرى والشيوعى عن الحياة السياسية. ولكن الحقيقة أن السادات بدأ الاتصال بهم والتواصل معهم قبل وفاة عبدالناصر! بعد أن أصبح نائباً لرئيس الجمهورية.فى مذكراته عن الإخوان.. يقول اللواء فؤاد علام: الاتصالات بدأت بينهم وبين السادات بعقد لقاءات سرية معهم قبل وفاة عبدالناصر بأسابيع. هذه الاتصالات مازالت لغزاً غامضاً حتى الآن ورغم أن شهودها ومن شاركوا فى صنعها مازالوا بعضهم على قيد الحياة.. لكنهم يرفضون الحديث عنها أو الكشف عن أسرارها ويؤثرون السلامة.
أمسكت مباحث أمن الدولة بداية الخيط عندما رصدنا اتصالات يقوم بها القطب الإخوانى محمود جامع مع قيادات الإخوان خارج السجن.
وبدأنا نتتبع هذه الاتصالات باهتمام شديد خوفاً من أن تكون محاولة لإحياء الخلايا السرية للإخوان على غرار ما حدث عام ١٩٦٥.وهيئنا أنفسنا لخبطة.. وكان ذلك فى أواخر عام ١٩٧٠.. وأثناء المتابعة الدقيقة والقلقة لمنزل محمود جامع حضرت سيارة ملاكى سوداء يقودها سائق وشخص يجلس فى المقعد الخلفى ونزل ودخل مباشرة إلى البيت. وكانت المفاجأة مذهلة بالنسبة لنا .. إنه محمد أنور السادات النائب الأول لرئيس الجمهورية .
ويضيف اللواء فؤاد علام : الغريب أن اللقاءات السرية تكررت بنفس الأشخاص ونفس السيناريو ثلاث مرات فى غضون أسبوعين ثم مرة رابعة فى منزل السادات بميت أبوالكوم.
وشرعنا فى اختراق هذه التجمعات وتسجيل اللقاءات ولكن كان قرار شعراوى جمعة وزير الداخلية فى ذلك الوقت هو أن نتابع ونرصد عن بُعد ونحدد أسماء كل هذه العناصر التى تحضر الاجتماعات.. وشدد على عدم اختراق هذه الاجتماعات إلا بتعليمات مباشرة منه.
وكانت المفاجأة أن الاجتماعات توقفت بعد اخطار شعراوى جمعة ولم نرصد أية اتصالات أخرى بين أفراد هذه المجموعة أو بينهم وبين السادات.
والتقيت بالدكتور محمود جامع بعد ذلك بسنوات وسألته عن هذه اللقاءات وعلمت منه أنه تقرر إيقافها فوراً بعد أن وصلته رسالة من شعراوى جمعة بإيقافها.. وإلا سيعرض الأمر على الرئيس جمال عبدالناصر.
وفهمت منه ـ وهم الأهم − ان الهدف من هذه الاجتماعات هو محاولة السادات استقطاب الإخوان وربطهم به تحت شعار الوحدة الوطنية فى تلك الفترة.
ويتابع اللواء علام: الذين مهدوا الطريق للائتلاف بين السادات والإخوان بعد توليه السلطة هم: عثمان أحمد عثمان وسيد مرعى ومحمد عثمان إسماعيل ود. مصطفى أبوزيد فهمى.. بجانب أن السادات كان فى نيته أن يستعين بالتيار الإسلامى وبالذات الإخوان المسلمين وكان يتصور أن هؤلاء فى إمكانهم التصدى للتنظيمات الناصرية والشيوعية والوطنية التى تعارضه.
ووصل الأمر إلى أن المهندس سيد مرعى ومصطفى أبوزيد فهمى اقنعاه أن الإخوان يدعمون حكمه.
وأصابت أجهزة الأمن المواطنين بخيبة أمل شديدة بوجود صعوبات كثيرة فى تعقب نشاط هذه الجماعات.. ورفعنا تقارير كثيرة حول المؤتمرات الشعبية التى يحضرها قيادات الإخوان وعلى رأسهم عمر التلمسانى والتى كانت تحرض الشباب وتدعوهم إلى مواجهة السلطة ولكن لم يستجب أحد.. وكانت التعليمات الصادرة لنا تقضى بعدم اتخاذ اجراءات أمنية لإحباط مثل هذه المخططات.
أما كيف عاد الإخوان لصدارة المشهد السياسى؟
فيقول علام: إن محمود جامع وعثمان أحمد عثمان كلفهما السادات بتشكيل تنظيمات دينية فى الجامعة لقمع الحركة الطلابية وشكلا ما أسماه الأسر الإخوانية.. ليس هذا فقط بل إن الاثنين كان يعرفان العائلات الإخوانية مثل عائلة هلال فى الدقهلية فكلفا شباب العائلة الذين يدرسون فى الجامعات بتكوين هذه التنظيمات.
كان دور الأمن فى هذه الفترة خطيراً وحساساً جداً لأنه كان يرى بداية شبح التطرف والإرهاب ينتشر بصورة لم تحدث.. وحساساً لان رغبة الأمن فى وقف هذه التحركات تتعارض مع رغبة القيادة السياسية.
ويختم اللواء علام حديثه ويقول: كانت كل الطرق تؤدى لسيطرة الإخوان على الجامعات.. والأمر الخطير أن مؤسسات الدولة بدأت تدفع الإخوان فى هذا الاتجاه.. لانها كانت رعية الرئيس.
وبهذا الأسلوب بدأ الإخوان فى فتح الأبواب الخلفية إلى المنصة.
ويروى أحد قادة الإخوان عبدالمنعم أبوالفتوح فى كتاب شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية:
الحق يقال إن السادات قد أزال العوائق أمام الحركة الإسلامية.. كانت الدنيا مفتوحة ولم تكن هناك عقبات وكانت وقتها قيادة طلابية استطيع مقابلة رئيس الجامعة صوفى أبوطالب رئيس البرلمان فيما بعد أو حافظ غانم رئيس الوزراء أو وزير التعليم خاصة إذا حدثت أية مشكلة مع الحركة الطلابية أو الجماعة الإسلامية فى أى جامعة من الجامعات.
كان هناك أيضاً تسامح أو تساهل من الدولة مع الإخوان بعد خروجهم حيث سمح لهم بالتواجد والنشاط مثل إقامة الاحتفالات الخاصة بالمولد النبوى فى الميادين العامة.. ولم يكن الجهاز الأمنى يتدخل فى أى نشاط لنا.
ويضيف: لم نسمع أبداً فى عهد السادات أن أحداً اعتقل منا أو من الإخوان أو حتى تم استدعاؤه أمنياً، ولم يمنعنا من توزيع كتاب أو مطبوعات من أى نوع.. ولم نر ضابط أمن دولة يدخل الجماعة ويعترض على أى عمل من أعمالنا.
كنا نقيم المعسكرات.. ونخيم ألفى طالب فى منطقة العين السخنة دون تدخل من الجهاز الأمنى بأى شكل من الأشكال.. وكان جميع الطلاب فى المعسكر ملتحين ويواظبون على الصلاة.. كنا ندعو العلماء من جميع الاتجاهات الإسلامية لإلقاء المحاضرات دون أن يسألنى أحد لماذا أتيتم بهذا أو أن هذا الشخص ممنوع.
وفى محافظة المنيا كانت الجماعة الإسلامية تقيم معسكراتها فى المدينة الجامعية لجامعة المنيا، وبحضور مئات الطلاب يبدأون يومها بطابور رياضى يقطع المدنية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب تصاحبه الهتافات الإسلامية المدوية دون أن يتعرض لنا أحد.
ويختتم أبو الفتوح حديثه: كانت حياتنا عادية ومستقرة حتى ونحن نقيم الدنيا ولا نقعدها، مظاهرات واضطرابات واحتجاجات.. ولا أتذكر أننى كنت هدفاً للتطبيق أو المنع من قبل الدولة إلا مرة واحدة.. وبعد تخرجى.
وماذا فعل الإخوان بعد هذه الحرية الواسعة التى منحها لهم السادات؟
يقول أبو الفتوح: بدأ تنظيم الإخوان يتجدد فى كل أنحاء مصر وبدأت قيادات الإخوان تصعد إلى قمته وتسيطر عليه.. وكان معظم هذه القيادات من الذين تربوا فى النظام الخاص أو التنظيم السرى المسلح ـ وكانوا هم الذين يتصلون بالخريجين الجدد من الشباب.. وكان أعضاء هذا التنظيم السرى الخاص مما تمثله مجموعة النظام الخاص عام ١٩٦٥ والذى ارتبط بسيد قطب.
هكذا سيطر القضبيون على الجامعات والحركة الإسلامية.
وانتهت فترة السادات باغتياله؟ فماذا فعل الإخوان؟
يقول أبو الفتوح: استقبل اغتيال السادات استقبالاً حافلاً.. بل وخر الشيخ حافظ ساجداً فور سماع النبأ، وحدثت حالة هرج ومرج فى السجن، وحاول بعض المتحفظ عليهم كسر باب السجن والخروج منه وكان مأمور السجن يناشدهم بالهدوء.
هكذا هم الإخوان:
ويقول جيل كيبل: إن السادات دخل فى صفقة مع الإسلاميين وكانت الخدعة أن الأكبر سنا هم الذين ساوموه بينما اختار شباب الإخوان طريق العنف وأرادوه شهيداً فى النهاية!!
ولكن يظل السؤال.
كيف للرئيس السادات.. وهو السياسى الكبير أن يعجز عن فهم الإخوان وطبيعتهم.. وانه لا آمان لهم وأنهم منذ ظهورهم عام ١٩٢٨.. لم يتفقوا مع زعيم وطنى.. من مصطفى النحاس لعبدالناصر؟.
لم يتركوا زعيماً واحداً إلا وتآمروا عليه.. بالتأكيد لم يكن السادات يريد أن يصل للنهاية التى وصل إليها بكل تأكيد ولا كان يتخيل ذلك ولكن كان بداخله شخص محافظ دفعه للطريق الذى أخذ مصر إليه!