سهام فودة تكتب: ندبات لم يداويها الزمن

الكاتبة الصحفية سهام فودة
الكاتبة الصحفية سهام فودة

بطبيعتي اكترث كثيراً للتفاصيل تلتفت عيناي لصغائر الأشياء ليس للنقض علي الإطلاق ولكن تمعنا في خلق الله وقدرته اللامتناهية في إبداع الكون بتفاصيله .. دفعني هذا التركيز إلي أن ألاحظ ندبة صغيرة ولكنها واضحة في يدي تعجبت في البداية أنها لا تزال واضحة ذات أثر ملحوظ في إصبعي.. وعلي الرغم من أن هذه الإصابة أتذكرها جيداً ولكنها كانت منذ بضع سنين وقد ظننت أنها ستختفي بلا أثر بعد عدة أيام أو حتي أسابيع .. فكيف لها أن تترك هذا الأثر بعد مرور السنوات .. صدقا استغرقت في الفكر .. لماذا هذه الندبة بعينها التي ما تزال ملحوظة بينما جرحت يدي عشرات المرات والتئمت بلا ندبات تلحظ ؟!


سريعًا ما تبادر إلى ذهني أن مكان هذا الجرح كان في جزء من الإصبع يصعب التئامه دون ترك أثر فهذه طبيعته التي جبل عليها .. أغلب الكف تشفي جروحه بلا أثر إلا بعض الثنايا التي تشفي ويبقي الأثر.

وفي أقل من لمح البصر وفي إشارة متناهية السرعة أطلقها عقلي ذكرتني تلك المفارقة بما تعانيه النفس البشرية من خذلان وآلام وأحزان حتي الضجر والاعتياد كل تلك المشاعر الباهتة تعبر علي النفس فتحصل علي ما يلزمها من وقت ثم تختفي وتتعافي أنفسنا لتذخر بطيب المشاعر والرضا كأن لم نحزن قط .. ولكن كحال الجسد هناك بعض المشاعر التي تمر علينا وقد نتعافي منها ظاهرياً لكنها تحفر في النفوس ندبة لا تتأثر بالزمن .. قد نتغافل عنها.. قد تلهينا الأحداث عنها .. ولكنها ساكنة بداخلنا نحن فقط من نشعر بها ونراها حين تسكن الأنفس ونتأمل دواخلها.

وبنفس منطق الجروح الجسدية تشفي النفس من أغلب ما يجرحها دون ذكري.. إلا بعض الجراح العميقة التي تنال من     "لُبّها" فيكون الجرح صعب الالتئام فيستغرق وقتاً أطول ليترك ندبة في النفس لا تتأثر بالزمن .. تستطيع أن تشعر بتلك الندبة بل وبأدق تفاصيل حدثها مهما مر عليك العمر ..قد تظن أنك تعافيت من هذه المشاعر ولكن دائماً تأتي إحدي المواقف لتذكرك بتلك الندبة القديمة.. ولولا رحمة الله بنا لأنهكتنا تلك المشاعر والجراح وبفضل نعمتي التغافل والنسيان نستطيع أن نشفي نسعد ونعيش من جديد بروح يغمرها حسن الظن بكل ما يأتي من عند الله فهو الحبيب وكل ما يأتي منه حبيب. 


ولنجعل من تلك الندبات في نفوسنا رموزاً للصمود والشجاعة والأمل فما مررنا به في الماضي لن يجعل المستقبل صعب المراث لأنفس تحملت الكثير ومازالت صامدة مستبشرة بالخير من ربها.


 وكرسالة صغيرة أبثها لي ولكم فلنحذر أن يصيب أحدنا الآخر في صميم مشاعره فيسبب له ندبه لا تشفي بالزمن ولا يضمدها اعتذار .