عبث الأحلام

صورة موضوعية
صورة موضوعية

أشرف الخريبى

من فلان الفلانى إلى كل فلان. حكى إبراهيم العطار قائلا: يا ناس هذا ما حدث..طلبت منه استخراج شهادة الوفاة وإعلان الوراثة ومستخرج رسمى من شهادة ميلادى ورقم بطاقتى الشخصية أو العائلية إن كنت عائلا، سألنى:

أنت عائل؟
قلت له إننى بالفعل عاقل ولم أفعلها، لم يستخرج ما طلبته منه بينما أعطيته ما طلب منى، خرجتْ من صدره تنهيدة طويلة وشهيق محتدم قائلا بهمس:
 
آه لو تدرى يا... انت اسمك إيه؟
ولما تطرقنا فى الحديث بعيدا سألنى:

متجوز؟  
أومأت له برأسى. 

من امتى؟ 
زماااااان. 
الله يكون فى عونك 

مراتك اسمها إيه؟
اعترضت وزمت ووددت لو أمسك السحاب وأخبط رأسى فى الحائط، فلا أريد لأحد أن يحشر أنفه فيما يعنينى. 

قال:
 خلاص خلاص.. هات لى الورق الصبح.

قلت:
أى صبح يا أستاذ؟
قال:
الصبح الذى يجىء بعد الليل يا أستاذ الأساتذة! فحين تنام وتحلم ثم تقوم مفزوعا من النوم، يكون هذا هو الصبح، تمام؟ 
 قلت له:
إنى بالفعل عرفت الصبح الآن الذى يلى الليل الذى...
 قال:
خلصنا!
أردت أن أحكى له عن آخر حلم كان مزعجا ولم أنم ليلتها.
قال:
ماذا تقول يا أستاذ الأساتذة؟
قلت:
أقول حاضر يا شاويش نبطشى. حاضر! 
كان شاربه الأسود الداكن طويلا، حين ابتسم نصف بسمة، ظهرت سنته الذهبية فى منتصف الأسنان البيضاء بشكل لامع، لم أر سنة ذهبية بهذا الحجم، غير أن خيالا واسعا، كان يرسم صورا فى الذاكرة تتماهى مع عتم الليل، فى تلك الحجرة المعتمة.

 لما ارتفع شاربه الكثيف لأعلى تاركا فراغا موحشا بين أسنانه الصفراء بفم ملوى على عنق من رخام، صمت صمتا مُخزيا، وقررت أن أنتقم لنفسى من هذه الابتسامة الصفراء، لكنى أبدا لم أفعل شيئا، كتبت الطلب أنه من فلان الفلانى وأنه... وأعطيته له لكنه رفض.

قال اذهب بنفسك. أنتم بهائم ولاد ستين.. وحدث أن عاندتنى الورقة الرسمية وأوقفنى الموظفون المحترمون على كل الشبابيك لأيام. كدت أختنق من الصبر، كدت أموت كمدا وحسرة، لعنت المتوفى وأبو المتوفى، ولم يكن هناك أمل ولا رجاء يا سعادة البيه رغم أنى حاولت ورغم أنى.

قال الذى عنده علم أنا أتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، بشرط تدفع ورقة حمراء!

أشار بإصبعين متجاورين، فرأيت آنذاك الإصبع الخامس فى يده، وهى مفردوة على آخرها، لم أستطع تحديد المبلغ الذى يريد، قلت خليها ورقة خضرة وأشرت له بإصبع واحد مفرد.

زام واعترض وأخبرنى عن أشياء كثيرة لا علاقة لأحدنا بها. 

وقال إن الأخضر هو الأفضل ولكن الموضوع يحتاج عشرة ورقات من الأخضر. 

وقال إن الموضوع كبير ويحتاج مجهودا كبيرا كما أنه يحتاج واحدا كبيرا، ضربت فى دماغى كلمة (كبيرا) تذكرت أبو الواد حنفى كان يدخل للقسم وينهى كل شيء ببساطة، كان رجلا كبيرا بصحيح. 

قلت:
حمرة حمرة المهم أخلص.

عاد ودس الورقة الكبيرة فى جيب سترته الكبيرة والأكبر من وجودى نفسه. دسست أنا الهواء الساخن فى وجهى الساخن، لطخت أشياء لا حصر لها فى دماغى واكتشفت أننا بقع بيضاء فى ثوب أسود، وأننى تافه فيما فكرت وفيما حسبت وأهبل على الآخر والموضوع كما قال كبيرا، بعد أن وعدنى لأيام وأسابيع كنت أنتظره بلا فائدة.

 ولكن المسألة بسيطة ومحسوبة بالمليم، قلت لنفسى أهل مكة أدرى بشعابها، يعرفون أضعاف أضعاف ما نعرف، ويعرف الكثيرون أمثال على وأبو المعاطى وشحاتة وكلها أسماء، فنحن لا زلنا فى عالم زائف نعيش بإيماءة مزيفة مثلما نفكر تماما.

ولكنى عندما رأيته أمامى أخيرا سألته عن الورق. 

قال بتهكم:
ورق أيه؟ 

سألته عن الورقة الحمرة.
قال:
معنديش حاجة لك! 
لم أر نفسى إلا ويدى تتكور وتدق رأسه لتخرج تلك السنة الذهبية من بين عينيه، ثم لم أدر إلا ويدى تسقط فوق قفاه وهو ملقى على الأرض كى أمزق ملابسه.

كما رأيت يا سيدى لا يغرك جسدى الضئيل وملامحى الهادئة!

عذاب السنين تجمَّع فى قبضة يدى وهو الذى أحدث هذا القطع فى وجهه ولم أكن أحمل سكينا ولا مطواة كما يدعى، بينما هو لعن أمى وأبى وهو ما جعلنى أخرج عن شعورى.

خلاص خلاص. 
يستمر حبسه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق ويراعى التجديد فى الميعاد. 
من فلان الفلانى إلى كل فلان!